للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشر سنوات ملازمة ظله، ودرس عليه علوما شتى منها صحيح البخاري دراية ورواية، وبعض كتاب الشفاء، وألفية العراقي في مصطلح الحديث. كما درس عليه الفقه وأصوله في الكتب التالية: مختصر خليل والرسالة، وتحفة الحكام لابن عاصم، وجمع الجوامع للسبكي الخ (١). وقد سجل الثعالبي ما قرأه على شيخه الأنصاري وغير. في ثبته المعروف (بكنز الرواة) الذي

سنعرض له. وارتبطت الصلة بين الثعالبي والأنصاري حتى تجاوزت العلم إلى الصلات الاجتماعية والسياسية. فقد زوجه شيخه ابنته وقربه من باشوات الجزائر، ولا سيما يوسف باشا، الذي حظي عنده الثعالبي بمكانة مرموقة، كما حظي عنده الأنصاري، حتى أصبح الثعالبي وكأنه هو كاتب الباشا الخاص (٢).

ولكن الأمور قد تطورت في غير صالح الثعالبي فقد طلق زوجه بأمر والدها، كما يقول العياشي (الذي لا شك أنه روى ذلك عن الثعالبي نفسه) ومع ذلك لم تنقطع صلته بأستاذه. ثم توفي الأنصاري بالطاعون سنة ١٠٥٧ فخسر الثعالبي سندا قويا. ووقعت ثورة ضد الحكم العثماني في شرق البلاد أدت إلى ضعضعة هذا الحكم ولا سيما سمعة يوسف باشا ولي نعمة الثعالبي. وقد أدى ذلك أيضا إلى وضع الباشا في السجن عدة مرات من زملائه المنافسين له والجنود الناقمين عليه لعدم دفع المرتبات لهم. ومن الرسالة التي كتبها الثعالبي لصديقه وأستاذه عالم عنابة علي بن محمد ساسي البوني، ندرك أنه قد رافق يوسف باشا في حملته ضد الثوار (الثورة المعروفة بثورة ابن الصخري) (٣). وسواء رافق الثعالبي الباشا في هذه الحملة أو في حملات أخرى سابقة، فإنه قد برهن من خلال الرسالة على أنه قد شارك ضد الثورة. فهو يتحدث بضمير المؤيد للعثمانيين ضد الثوار ويصف المعارك (دون أن يذكر تاريخا) وكأنه حاضر لها ومشارك فيها. وقد كتب رسالته من نقاوس، ولكنه ذكر أيضا


(١) المحبي (خلاصة الأثر) ٣/ ٢٤٠.
(٢) العياشي (الرحلة) ٢/ ١٢٨. انظر أيضا ترجمة علي بن عبد الواحد الأنصاري في فصل التعليم من الجزء الأول.
(٣) انظر فقرة الثورات ضد العثمانيين في الفصل الثاني من الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>