للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكن متدروشا تماما كما كان كثير من المتصوفة، بل كان بين بين. فقد جمع العلم إلى الزهد في حالة تذكرنا بنسيبه عبد الرحمن الثعالبي. ولذلك كان مقبولا عند أهل الظاهر والباطن. ورغم أنه كان فقيرا في معظم أوقاته فإنه كان في المشرق لا يسأل الناس شيئا ولا يغشى أبواب الأمراء، كما كان يفعل أحمد المقري ويحيى الشاوي. ومع ذلك لم يعش كل حياته محروما فقيرا. فقد أقبلت عليه الدنيا بعض الإقبال، ونال بسطة في الرزق، غير أن ذلك، فيما يبدو، كان في أخريات أيامه.

وصف الثعالبي مترجموه بأنه كان ذا ملكة واسعة في علم الحديث، وأنه كان مسند الدنيا في وقته، كما وصفوه بالذكاء الحاد وقوة الهيبة في التدريس والتمكن من الفقه المالكي. ومن الذين عاصروه وترجموا له العياشي المغربي والمحبي الشامي. وكلاهما أعجب به أشد الإعجاب. وإذا كان المحبي قد سمع به فقط فإن العياشي قد التقى به في حجتيه وأخذ عنه وشاهد مجلسه ولاحظ تمكنه في العلوم المذكورة. كما خالطه اجتماعيا. لذلك يمكن أن نعتبر ما أورده عنه نوعا من الترجمة الشخصية له أثناء حياته، وبعض ذلك كان من إملاء أو من وحي الثعالبي نفسه. كما أن إجازات الثعالبي لغيره تعتبر من المصادر الأولى عنه. ومن ذلك إجازته للشيخ أحمد بن سعيد الدلائي سنة ١٠٦٨ بمكة، وهي الإجازة التي عدد فيها أساتذته الذين أخذ عنهم الحديث (الكتب الستة) في مصر، وخصوصا علماء الأزهر المالكية أمثال علي الأجهوري ويوسف الفيشي (١). وبالإضافة إلى إجازته للعياشي والمحبي والدلائي، أجاز الثعالبي أيضا محمد بن محمد العيثاوي الدمشقي الذي توفي مثله سنة ١٠٨٠. وهي الإجازة التي كتب فيها الثعالبي أنه (لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء) (٢)، كما أجاز إبراهيم بن


(١) توجد هذه الإجازة ضمن مجموع رقم ٢٨٦ تيمور، دار الكتب المصرية، حديث ص ٢٤٨ - ٢٥٤ وهي ناقصة من الوسط.
(٢) دار الكتب المصرية، مصطلح الحديث، رقم ٣٣٥، ضمن مجموع، وهي بخط الثعالبي نفسه كتبها سنة ١٠٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>