للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقهية المالكية في الجزائر. فإذا حكمنا من أنواع الشرح والحواشي التي وضعت حوله كدنا نقول بأنه يأتي في المقام الثالث بعد القرآن الكريم وصحيح البخاري، بل إننا إذا حكمنا من وفرة الإنتاج حوله وجدناه يفوق الأولين عدا. فقد عرفنا أن التآليف المتعلقة بالتفسير والحديث كانت في جملتها قليلة وغير أصيلة. ولم يكن خليل بن إسحاق مصدرا للفقه والتشريع في الجزائر فحسب بل كان مصدرا للتبرك به أيضا. ولعل هذه النظرة الصوفية هي التي جعلت الفقهاء، وقد غلب على أكثرهم التصوف، يخلطون بين خليل الفقيه المشرع وبين خليل الصوفي الدرويش. فهذا ابن مريم، صاحب (البستان)، قد ترجم في القرن الحادي عشر لخليل بن إسحاق المصري في كتاب يتناول علماء وصلحاء تلمسان (تبركا به) (١). وهذا في الواقع يدل على تحول في الدراسات الفقهية نفسها. فيحيى بن موسى المغيلي المازوني صاحب (نوازل مازونة)، الذي عاش في القرن التاسع لم يكد يذكر الشيخ خليل في مؤلفه، على طوله وأهميته، بل كان يستمد آراءه ونوازله من وحي العصر ومن مصادر الفقه الإسلامي الأخرى (٢).

أنجبت تلمسان في عهودها الزاهرة أعظم الفقهاء الذين عرفتهم الجزائر تدريسا وتأليفا. وفي بداية العهد العثماني وطيلة القرن العاشر جلبت فاس إليها معظم الباقين في تلمسان ونواحيها. ومن أبرز العائلات العلمية التلمسانية التي اهتمت بالفقه عائلة الونشريسي والمغيلي والمقري والعقباني. ومعظم أفراد هذه العائلات كانوا يترددون بين تلمسان وفاس كما عرفنا. وقد ظلت مازونة أيضا تنافس تلمسان في ميدان الفقه، فأنجبت هي الأخرى بعض رجال هذا العلم، ومن أهم خريجي مدرستها في آخر العهد العثماني أبو راس الناصر.

أما الشرق الجزائري ففقهاؤه المؤلفون قليلون بالقياس إلى غيره.


(١) (البستان)، ٩٦.
(٢) جاك بيرك، دراسة عن النوازل في مجلة (أنال) سبتمبر - أكتوبر ١٩٧٠، ١٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>