للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورغم شهرة بعضهم في التدريس والتأليف فإنه لا أحد منهم يضاهي مثلا أحمد الونشريسي في مؤلفاته الفقهية. وإذا كانت فاس قد امتصت عددا من علماء الجزائر خلال العهد العثماني فإن تونس لم تفعل ذلك لأن البلدين كانا يخضعان لنفس النظام السياسي. ولكن تونس كانت معبرا يعبره العلماء الجزائريون في رحلتهم إلى الحج أو طلب العلم في المشرق الإسلامي، فعبرها أحمد المقري وأبو راس ومحمد بن العنابي وأحمد البوني وأحمد بن عمار. وقد امتصت عواصم المشرق أيضا عددا من هؤلاء العلماء كما عرفنا.

رغم مكانة بعض علماء مدينة الجزائر العلمية فإن أحدا منهم لم يستطع أن ينافس في الفقهيات زملاءهم علماء غرب الجزائر أو شرقها. فإذا انحدرنا جنوبا وجدنا عبد العزيز الثميني قد جاء بعمل في الفقه الإباضي جدير بأن يقاس بعمل الونشريسي في الفقه المالكي. كما أن خليفة بن حسن بقمار قد تميز بنظمه لخليل ولفت إليه الأنظار بمساهمته في الفقه عموما. ولكن مهما قيل في هذا التوزيع الجغرافي للإنتاج الفقهي فإنه لا يدل إلا على خطوط سريعة قد تظهر الأيام أعمالا أخرى تعدل من هذه الخريطة.

ولنبدأ إذن بمدرسة تلمسان. ويجب أن ننبه هنا إلى أننا لا نعني تلمسان المدينة فقط ولكن تلمسان باعتبارها مدرسة لتخريج المثقفين والمشرعين. وعلى هذا الأساس يقف أحمد الونشريسي وابنه عبد الواحد في طليعة فقهائها. الأول في كتبه التي تعرضنا إليها (١). والثاني في كتبه (النور المقتبس من قواعد مذهب مالك بن أنس) الذي لخص فيه كتاب والده (إيضاح السالك)، وشرحه على مختصر ابن الحاجب الفقهي الذي جعله في أربعة مجلدات، وشرحه المطول على الرسالة. ولكن عبد الواحد لا يمكن أن يقاس بوالده في الفقه، فقد تغلبت عليه روح الأدب أيضا، فكان شاعرا مجيدا (لا يقارعه أحد من أهل عصره) (٢). وكانت له أيضا أزجال وموشحات


(١) انظر ذلك في الفصل الأول من الجزء الأول.
(٢) (سلوة الأنفاس) ٤/ ١٤٦. وقد تولى عبد الواحد الونشريسي وظائف علمية عالية في المغرب كالفتوى والخطابة والتدريس.

<<  <  ج: ص:  >  >>