للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك فإن ابن القنفذ كان في خدمة الدولة الحفصية (وكان والده في خدمتها أيضا) كما كان جده لأمه. ولعله شعر أن واجب الخدمة يقتضيه أن يكون معترفا بالجميل وقد يكون أراد بتأليفه وإظهار مكانة قسنطينة فيه، تبرئة مواطنيه من تهمة الثورة ضد السلطان أبي فارس. فقد قامت ثورة في قسنطينة ضد هذا السلطان وخشي ابن القنفذ أن يكون لغضب السلطان على أهلها نتائج سيئة فألف كتابه لا اعتذارا عما وقع ولكن إبرازا لمكانة قسنطينة وأهلها في خدمة الدولة الحفصية ومكانة أسرته هو خاصة في ذلك. ومع ذلك فقد يكون الغرض الشخصي وراء تأليف هذا الكتاب. ذلك أن ابن القنفذ كان قاضيا وقد عزله حاكم قسنطينة الذي لم يكن يرتاح إليه. ولكن السلطان قد أعاده إلى وظيفته فكانت (الفارسية) عبارة عن تحية عرفان وعربون ولاء (١). والنسخة المطبوعة من (الفارسية) تقع في حوالي مائة صفحة. وقد بدأهبمؤسس الدولة الحفصية ثم وصل إلى أبي فارس. وهو ينتقل من موضوع إلى آخر بالحديث عن ولاية كل أمير من أمراء هذه الدولة. وهو يلصق باسم كثير منهم عبارة (المجاهد) أو (المقدس) أو هما معا. وبعد أن يذكر سنة تولية الأمير يعرض الأهم من الأحداث التي جرت في عهده فيذكر مآثره وحروبه وخصومه وانتصاراته بشيء من الافتخار والزهو وأوصاف المدح والتمجيد. ومن بين ما يذكره ابن القنفذ وفيات العلماء ونحوهم في عهد الأمير المدروس. ورغم (عقلنة) ابن القنفذ المؤلف في الحساب والفلك ونحوهما فإنه يتحدث عن الأولياء وبعض الكرامات بشيء من البساطة والسذاجة مما يدل على أن فكرة التصوف السلبي والخرافي قد انتشرت في عهده. ولا غرابة في ذلك ما دام جده لأمه كان أيضا صاحب زاوية في قسنطينة.

وقد خصص ابن القنفذ كتابه (أنس الفقير وعز الحقير) لترجمة أبي


(١) انظر (الفارسية) ٢٦، ٩٣. وقد كان ابن القنفذ لأمه هو صاحب الزاوية المعروفة باسمه في قسنطينة (الزاوية الملارية).

<<  <  ج: ص:  >  >>