مصر والحجاز ودمشق وإسطانبول واتصل بالوزراء والسلاطين والوجهاء، ونال حظوة عندهم، كما أنه كان من نقاد العصر وأهله. وهذا كله دليل على أنه لم يكن من المتصوفة أو علماء الباطن. وهو في هذا يذكرنا بمكانة معاصريه ومواطنيه عبد الكريم الفكون وأحمد المقري وعيسى الثعالبي، ولكنه، مع ذلك، يظل متميزا عنهم باختصاصه وشخصيته.
ولد يحيى بن محمد بن محمد الشاوي النائلي (١) في مليانة في تاريخ لا نعرفه بالضبط ولكنه لا يخرج عن أوائل القرن الحادي عشر. وقرأ بمسقط رأسه على الطريقة المتبعة عندئذ في الكتاتيب من حفظ القرآن الكريم وحفظ المتون وبدايات العلوم. ولم نكن نعرف أن مليانة عندئذ كانت تعيش حياة علمية مزدهرة أو كان فيها علماء بارزون. غير أننا نعرف أن زاوية أبهلول المجاجي قرب تنس، كانت مشهورة بعلمائها وطلابها. فكان أهل تلك النواحي (ومنهم أهل مليانة) يقصدونها للقراءة الثانوية قبل أن ينتشروا في الأرض بحثا عن المزيد من العلوم في مدينة الجزائر وفي تلمسان، وفي فاس وغيرها. ومن أجل ذلك وجدنا سعيد قدورة قد تتلمذ على شيخ الزاوية محمد بن علي أبهلول كما سبق، قبل أن يتوجه إلى المغرب لمواصلة دراسته. ولعل يحيى الشاوي قد سار على نفس الدرس. فقد عرفنا من سيرته أنه تلقى العلوم على محمد بن محمد أبهلول، وهو نفس الشيخ الذي درس عليه قدورة أيضا بعض الوقت. وبعد أن قضى الشاوي فترة في زاوية أبهلول المجاجي لا ندري كم طولها، توجه إلى تلمسان فأخذ بها العلم على بعض شيوخها الذين لا نعرف منهم الآن سوى سعيد المقري الشهير. فهل توجه الشاوي بعد ذلك إلى فاس؟ ذلك ما لا ندريه الآن، لأننا لم نجد في سيرته أنه زار المغرب الأقصى.
(١) ترجمته في (خلاصة الأثر) ٤/ ٤٨٦ - ٤٨٨ وفي (الأعلام) ٩/ ٢١٤، انظر أحمد توفيق المدني، عثمان باشا ٨٢، وفي (نشر المثاني) ٢/ ٤٥٢ (الترجمة الفرنسية)، وقد أضفنا إلى هذه المصادر ما استقيناه من آثاره من مصادر أخرى، انظر عنه رحلة العياشي، وفي رده المسمى (النبل الرقيق) أخبار عن حياته وآرائه.