للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن من المؤكد أن يحيى الشاوي قد قضى فترة من الوقت في مدينة الجزائر تلميذا ومدرسا. فالمعروف عنه أنه تتلمذ فيها على شيخيها البارزين عندئذ، علي بن عبد الواحد الأنصاري، وسعيد قدورة. وقد توفي الأول سنة ١٠٥٧ وتوفي الثاني سنة ١٠٦٦. وهذا يعني أن الشاوي كان بمدينة الجزائر قبل ١٠٥٧. وفي وقت لاحق تتلمذ الشاوي على عيسى الثعالبي قبل مغادرة هذا الجزائر سنة ١٠٦١. ويبدو أن يحيى الشاوي قد زار أيضا قسنطينة وعنابة وبجاية لأخذ العلم، ولكننا لا نملك دليلا الآن على ذلك. ولا نعرف أن الشاوي أثناء إقامته بالجزائر، قد تقرب من السلطة الحاكمة، كما فعل أساتذته (قدورة والأنصاري والثعالبي)، ولكن هذا الجو المشحون بالتوتر والطموحات والمنافسات سيؤثر عليه لا محالة بقية حياته، بعد أن سافر إلى المشرق. ومهما كان الأمر فإن منابع العلم في الجزائر، على طولها وعرضها، لم ترو ظمأه فاختار الرحلة إلى المشرق. ولا ندري الآن إن كان وراء رحلته هذه عامل سياسي (١)، كما كان وراء رحلة المقري والثعالبي عوامل سياسية.

لا شك أن الشاوي تلقى في الجزائر العلوم المدروسة عندئذ وهي التفسير والتوحيد والحديث والفقه والنحو والمنطق. وقد اشتهرت زاوية أبهلول المجاجي بالتفسير والحديث كما عرفنا. وقد عرفنا أن الشاوي قد أخذ على الأقل علم المنطق عن عيسى الثعالبي. ذلك أنه اضطر إلى أن يسير مع الثعالبي ثماني مراحل، وهو في طريقه إلى المشرق، لكي يأخذ عنه علم المنطق، إلى أن تمكن من درسه عليه (٢). وقد تحدثت مصادر الشاوي أنه


(١) إذا حكمنا من كلام العياشي، الرحلة ٢/ ٣٦٨، فإن الشاوي كان ينوي الرجوع إلى وطنه بعد الحج، ولكن فاته الركب الجزائري في الإسكندرية فأراد ركوب البحر بدل البر، ثم ظهر له أن يعود إلى القاهرة ويتولى التدريس بالأزهر، وقد عبر العياشي عن ذلك تعبيرا غامضا فقال: (وكان ذلك لأمر أراده الله به) أي بالشاوي.
(٢) (خلاصة الأثر) ٣/ ٢٤١. كانت علاقة الشاوي بالعياشي صاحب الرحلة علاقة غير ودية، رغم تتلمذهما على عيسى الثعالبي، فقد عرض العياشي بالشاوي في رحلته =

<<  <  ج: ص:  >  >>