وارث هذا سنة ١٠٣٣، وانتقل البطيوي أيضا للدراسة على الشيخ أحمد بن إبراهيم الراسي البطيوي الذي توفي بدوره سنة ١٠٣٩، وعدد البطيوي شيوخه الكثيرين، وأخبر أنه رحل إلى مدينة فاس سنة ١٠٠٢ أو سنة ١٠٠٣، وأخذ العلم بها على عدد من الشيوخ، كما كان يفعل كثير من الجزائريين، ويهمنا أن نلاحظ أن البطيوي قد ذهب أيضا إلى تلمسان وأخذ العلم بها على شيوخ ذكرهم وقدرهم، وهم سعيد المقري، وابن مريم، وأحمد الولهاصي. وقرأ على المقري العقيدة الكبرى للسنوسي، وأشاد كثيرا بشيخه ابن مريم، كما عرفنا، أما علاقته بالولهاصي فقد أضاف إلى الوجه العلمي منها المكاشفات، وأخبر أنه استشار مرة شيخه الولهاصي في امرأة يتزوجها فأشار عليه بعدم الزواج منها، وحلت له امرأة محلها عن طريق الكرامة. وما دام كتاب (مطلب الفوز) غير منته في النسخة التي اطلعنا عليها فلا نستطيع أن نعرف أكثر من هذا عن حياة البطيوي منه، ولا نعرف الآن من ترجم له أو تناول كتابه هذا بالتعريف. فمعلوماتنا عن حياته إذن مستمدة من الجزء المتوفر لدينا من كتابه.
أما الكتاب نفسه فهو موسوعة هامة عن الحياة الدينية والاجتماعية في ذلك العصر، وهو في هذا يذكرنا بكتاب (كعبة الطائفين) لمحمد بن سليمان الذي ألف بعده بقليل، فكلاهما يتخذ التصوف منطلقا، ولكنه يتضمن أخبارا كثيرة عن الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. وكتاب البطيوي يقع في جزئين كبيرين ومكتوب بخط جيد، وقد أخبر أنه ألفه لما رأى شعائر الإسلام قد كثرت والهمم قد قصرت وانحراف الناس عن الدين الصحيح قد أصبح واضحا، وتجنبهم عن الآخرة قد بات واقعا. لذلك تاقت نفسه إلى وضع تأليف يجمع فيه (من الديانات والآداب ما يحتاجه المريد السالك) فالكتاب إذن في آداب الطريق والسلوك الصوفي.
قسم عيسى البطيوي كتابه الى مقدمة وثمانية أبوابا وخاتمة. وجعل كل باب مقسما إلى فصول. فالخطة إذن جيدة تدل على ذوق سليم وروح علمية صحيحة، وقد جعل المقدمة في وجوب تعلم العلم النافع وفي فضائل