للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النسخ والتأليف والتعليم بالعربية فازدهرت هذه الحركة في عهده وظهرت أسماء من الأدباء والعلماء كانوا مدينين له بالمساعدة المادية ولكن الحركة اختفت باختفائه، ونفس الشيء يقال عن مشاريع صالح باي في التعليم التي لم تتواصل بعده، فهذه النماذج كانت تعتمد على جهود فردية ونادرة، كما رأينا، وليست قائمة على سياسة مستمرة ومرسومة، وقد دام حكم محمد باشا خمسا وعشرين سنة دون أن نعرف أنه قدم شاعرا أو أجاز كاتبا على تأليف أو شجع حركة التعليم، ونفس الشيء يقال عن حسين باشا الذي بقي في الحكم اثني عشر سنة، وهكذا كان كل حاكم، من الداي إلى الباي، يستغل حكمه للربح المادي الشخصي وخدمة حاشيته وجنوده الذين كانوا جميعا غرباء عن الشعب لسانا وذوقا.

وبالإضافة إلى ضعف مستوى الثقافة، وإلى منافسة اللغة التركية (بل واللغات الأوروبية الأخرى التي كان بعض الباشوات يتكلمونها لأنها لسانهم الأم) للغة العربية في الدواوين وفي المجالس الرسمية وفي التجارة فإن هناك بعض اللهجات المحلية التي كانت أيضا تزاحم اللغة العربية، فبعض مناطق الأوراس وجرجرة وميزاب كانت تتكلم اللهجات المحلية ولم يكن هذا مقصورا على الطبقة العامة، بل كان موجودا عند العلماء أيضا، فالورتلاني يحدثنا أن هناك من كانوا يمدحون الرسول (صلى الله عليه وسلم) ويتناولون التصوف باللهجة المحلية، وقد تمنى هو أن يكون كلامهم بالعربية حتى تدرك حلاوته وطلاوته وقوة إبداع أصحابه، وضرب لذلك مثلا بعلي بن درار وسعيد الفاني (١).

يضاف إلى ذلك أن الفئة المثقفة، كما عرفنا، قد انحصر نشاطها في بعض الوظائف الرسمية التي لا علاقة لها بالأدب وتذوقه وتشجيعه، فالقضاة


= كان بارعا في فنون الأدب وأنه كان يكتب بالسجع. انظر (التحفة المرضية) مخطوط باريس، ص ٥٤. وقد نوه عبد الرحمن الجامعي أيضا بأدب بكداش، انظر فصل العلماء من الجزء الأول.
(١) الورتلاني (الرحلة)، ١٨٧ - ١٩٨، ٦٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>