للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمفتون والمدرسون وكتاب الإنشاء كانوا راضين بالمستوى الذي كانوا عليه، ولم يكونوا يطمحون إلى مستوى أفضل منه لعدم الحاجة إليه، بل ان الباشوات والولاة عموما كانوا يفضلون المستوى الثقافي الأدنى على المستوى الأعلى، لأنهم هم أنفسهم لم يكونوا مثقفين، وكان يرضيهم من الموظف أن يكون في مستواهم أو أقل منهم، أما الجزائريون الطموحون إلى المزيد من العلم والأدب وذوو المواهب الدفينة الذين كانوا راغبين عن الوظائف. الجامدة والتبعية الذليلة فقد اختاروا طريق الهجرة إلى حيث يجدون الرعاية والاعتراف بإنتاجهم وفضلهم، وكان هذا مصير أديبين كبيرين سنترجم لهما في هذا الفصل، وهما أحمد المقري وأحمد بن عمار، كما كان مصير الشاعر سعيد المنداسي.

وقد أدى موقف الولاة ومنافسة اللهجات واللغات وشيوع الجهل وضعف المستوى الثقافي وجمود الوظيفة وهجرة أصحاب المواهب إلى شيوع اللحن على ألسنة الكتاب والمدرسين، حتى من الذين لم نتوقعه منهم، لكثرة تآليفهم ووفرة علمهم، أمثال أبي راس الناصر، وقد تحدث هو عن هذه الظاهرة في الإنتاج كما تحدث عنها أحمد بن سحنون الراشدي والورتلاني، وشاع الخطأ، وخصوصا في الشعر، حيث كثر ما يسمى بالشعر الملحون والشعر الفصيح المكسور، وكان اللجوء أحيانا إلى الشعر الملحون أو الشعبي يبرره التلغيز الذي يقصده الشاعر ليغطي هجومه على الأوضاع السياسية والأخلاقية، وكان بعض الشعراء يتبسطون لكي يسهل على العامة فهم مرادهم، وقد احتج أبو راس في شرح (العقيقة) بأن محمد الهواري (١) كان يلحن في كتاباته، وأن المنداسي قد كتب بالملحون ولم يكن عاجزا عن الإعراب وإنما نظم العقيقة بالشعر الملحون (لتسهل للعوام كما تسهل

للخواص) (٢).


(١) عن محمد الهواري انظر الفصل الأول من الجزء الأول.
(٢) أبو راس (شرح العقيقة) ورقة ٤ - ٥، مخطوط باريس رقم ٥٠٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>