للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتين، وكأن ابن سحنون أراد أن يكون في مستوى الشاعر في العلم والأدب، فملأ شرحه بالأخبار الأدبية والتاريخية، سيما تاريخ الإسلام الأول الذي تعالجه القصيدة، ولم يقسم الشرح إلى فصول وإنما شكل كل بيت من العقيقة قسما أو فصلا مستقلا، فهو يذكر البيت ثم يشرحه لغويا وأدبيا ويأتي إليه بالشواهد والأخبار، وهذا هو سبب الاستطراد والطول، ويدلنا مطلع الشرح على ذوق ابن سحنون ومراميه، فقد بدأه هكذا (الحمد لله الذي وشح مطالع المعاني ببدائع البيان ..) وهو طالع يبتعد عن طوالع الشروح الفقهية ونحوها، فـ (الأزهار الشقيقة) إذن يعتبر كتاب أدب ونقد وبلاغة في بابه لتخصص صاحبه في ذلك، وتؤكد التقاريظ التي وردت عليه هذا الاتجاه، ولاشك أن هذا هو ما يجعل شرح ابن سحنون للعقيقة يفوق شرح أبي راس لها (١)، ورغم أن ابن سحنون قد تمنى أن لا يكون عمله من (الدفاتر المهملة) فإننا إلى الآن لم نقرأ أن هناك من تناول هذا المخطوط الهام بالتعريف أو التحقيق.

أما شرح أبي راس (للعقيقة) فقد سماه (الدرة الأنيقة)، ومن عادة أبي راس أن يشرح العمل الواحد عدة مرات ويطلق على كل شرح عنوانا جديدا، وهذا ما حدث هنا. فقد قال إن له على العقيقة سبعة شروح، وكل شرح منها له عنوان خامس (٢)، وقد اطلعنا على أحد هذه الشروح فوجدناه يذكر في البداية فضل الشعر وخصوصا الشعر الديني، وعرف أبو راس الشعر وأشاد به وقال إنه لفضله استعمل في المدائح النبوية، وذكر أن دافعه للتأليف كون المنداسي مدح بالعقيقة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ورغم أن العقيقة من (الشعر الملحون) فإنها قد (احتوت على غرائب وعجائب من اللغة والبلاغة واللحون)؛ وأضاف أبو راس مبررا اللجوء إلى الشعر غير الفصيح قوله: (وليس في الشعر الملحون من بأس). وقد ذكرنا أنه هو نفسه كان يلحن في اللغة رغم علمه


(١) دار الكتب المصرية رقم ١٢١٦٠ ز، والمخطوط بخط المؤلف ويقع في ٢٧٨ ورقة وعليه حواش كثيرة، وكان في ملك المفتي محمد بن محمود بن العنابي، وتنتهي النسخة سنة ١٢٠٢، وفيه بعض البياض.
(٢) ذكر ذلك في (فتح الإله ومنته) عند تعداد كتبه، ك ٣ ٢٢٦، ك ٢٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>