للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسعة إطلاعه وحفظه، وتدل قصائده أيضا على أنه كان لا يتقيد بالوزن، رغم أنه كان يكتب بالفصحى، وزعم أبو راس أن البعض ممن تأثر كثيرا بالعقيقة سأله أن يضع عليها شرحا (يفصح عن تلك المقاصد واللغات، ويذلل ما فيها من الأبيات، وأن يكون باختصار، لداعية الضرورة إلى الاقتصار، وتنشيطا للاطلاع، وانتهازا لفرصة الانتفاع)، وهنا يظهر الفرق بين عمل ابن سحنون وأبي راس، فالأول أطال حتى طلبه معاصروه الاختصار، والثاني قد استجاب منذ البداية لمن طلبه الاختصار، ويبدو أن شرح ابن سحنون سابق على شرح

أبي راس رغم أننا لا ندري بالضبط متى انتهى أبو راس من شرحه أو على الأقل من شرحه الأول.

اتبع أبو راس أيضا نفس طريقة زميله ابن سحنون في اتخاذ البيت من القصيدة هو الوحدة، فهو يورد البيت ثم يشرحه من جميع الوجوه، وكأن أبا راس كان ينافس زميله حفظا وطريقة، ولكن شتان بينهما، فإذا كان أبو راس يمتاز بالحفظ فإن ابن سحنون قد امتاز بذوق أدبي أرهف وأرق من زميله، فهذا أديب بالسليقة، وذلك أديب فقيه، وقد أجاد كل منهما فيما خلق له، فقد أورد أبو راس أيضا شواهد الشعر والقرآن والحديث أثناء الشرح، وضمنه، كما يقول، (مباحث شريفة، ونكات لطيفة، وتحقيقات غريبة، وتدقيقات عجيبة، ودلائل أنيقة، ومسائل دقيقة ..) فكلا الشرحين إذن مصدر من مصادر تاريخ النقد الأدبي في الجزائر (١).

ولأبي راس عدة شروح أدبية أخرى نذكر منها شرحه على مقامات الحريري الذي سماه (الحلل الحريرية في شرح المقامات الحريرية)، وقد ذكر في (فتح الإله) أن له شرحين من ذلك وهما الكبير والأكبر (٢) ومهد لشرحه


(١) (الدرة الأنيقة) مخطوط باريس رقم ٥٠٢٨.
(٢) جاء في (المجلة الإفريقية) ١٨٦٤، ١٥٢، ان رئيس المكتب العربي في مدينة معسكر، وهو السيد مونان Monin، قد أهدى نسخة في جزئين من (الحلل الحريرية) إلى المكتبة الوطنية - الجزائر، والنسخة مجلدة تجليدا أنيقا ومكتوبة بخط مغربي جميل. ولم يقل هذا الرجل الفرنسي العسكري كيف ولا من أين حصل على النسخة.

<<  <  ج: ص:  >  >>