للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهوادي وتمتد، والسكينة التي تحدق إليها الأبصار فلا ترتد، ولم أر منذ عقلت بسني، وعلقت خطباته بذهني، أحق منه في طريقة الوعظ والخطابة والإمامة، ولا رأيت من شيوخنا من يتقدم أمامه، لا جرم أنه استحوذ عليها، صناعة استوفى شرطها واستكمل أسبابها ... وكذلك هو في وعظه آية من آيات فاطره ... زعم من رآه أنه لم يسمع من حضرة الجزائر إلى أم القرى أخطب منه ولا من يدانيه إلا واحد من الأفاضل، لم يكن له بمماثل، وإنما كان قريبا من أسلوبه ..) (١).

ولا شك أن الجزائر قد عرفت عددا من هؤلاء الخطباء أمثال سيد قدورة وسعيد المقري وأحمد المقري وعبد الكريم الفكون وأحمد بن عمار، ولكن خطبهم غير مدونة، فنحن لا نعرف من الخطب المدونة سوى مصدرين حتى الآن، الأول خطبة أو مجموعة خطب منسوبة لأحمد المقري (٢)، والثاني مجموعة خطب لعبد الكريم الفكون. فقد ذكر الفكون نفسه أنه هو الذي كتب أول خطبة جمعة للشيخ أحمد بن باديس ثم أضاف (وهي مذكورة مع جملة الخطب التي ألفت في غير هذا) (٣)، ولكننا لم نطلع على نصوص هذه الخطب لنعرف قيمتها الأدبية واللغوية وأسلوبها، ويفهم من كلام منشئها أنها خطب وعظية بلاغية إذ قال عن الخطبة المذكورة (ضمنتها التوبة وقبولها وإنعام المولى بها عن العباد، فجاءت حسنة بليغة في معناها).

وكانوا يتفنون في هذه الخطب فلا يكتفون بالكلام المسجع أو المرسل، بل كانوا يضيفون إلى ذلك بعض القيود ومحاولة التأثير بها على السامعين، فقد قيل إن سعيد المقري كتب خطبة عارض فيها خطبة القاضي عياض التي ضمنها التورية بأسماء سور القرآن الكريم، وتبدأ خطبة المقري،


(١) ابن ميمون (التحفة المرضية)، مخطوط باريس، ٦٥٦ - ٦٦٦.
(٢) أشار إلى ذلك محمد بن عبد الكريم في كتابه (المقري وكتابه نفح الطيب) ٤٩٢، وقال إنها موجودة في مدريد (؟).
(٣) (منشور الهداية) ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>