للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكناس، وقد وصف فيها متاعبه وهدفه من زيارة المغرب بمرافقة اثنين من التجار، والطريق الصعبة التي مروا بها والأخطار التي تعرضوا لها ممن يسميهم العربان، وغرائب ما شاهد أثناء الطريق، أما المقامة الثالثة فقد سماها (المقامة الحالية)، وهي رمزية وصف فيها حالته مع الناس والدنيا والرحلة، وخسارته التجارية ودنو أجله كما قال نتيجة كل ذلك، وكان ابن حمادوش في هذه المقامة يتحدث عن شخص رمزي متعلقا به حبا (ولعله يقصد زوجه)، ومع ذلك سبب له التعب والنكد، وختمها كالأولى بالشعر والدعاء (١).

وهذا نموذج من المقامة الهركلية (الحمد لله، حدى بي حادي الرحلة، إلى أن دخلت في بعض أسفاري هركلة، ودخلت بها في خان، كأنه من أبيات النيران، أو كنائس الرهبان، بل لا شك أنه من أبيات العصيان .. فاختصصت منه بحجرة، فكأنها نقرة فى حجرة. فغلقت بابى، لأحفظ صبابي، وآمن حجابي .. حتى مد الليل جناحه، وأوقد السماء مصباحه، وهدأت الأصوات، وصرنا كالأموات. فلم يوقظني إلا جلبة الأصوات، وتداعى القينات، والتدافع بمنع وهات .. وإذا بجاري بيت، يحاسب (صاحبه) قينة على كيت وكيت، وهي تقول له فعلت كذا وكذا فعله، وتدفع أجر فعله .. فقلت بعدا لهذا الجار، ولا شك أنه بئس القرار، ولبئس الخان، كأنه حان، ثم رجعت إلى هجعتي، وتجاوزت عن وجعتي).

ومن الواضح أن مقامات ابن حمادوش، من الوجهة الفنية المحضة، تعتبر أكمل وأفضل، إذ لا ينقصها عنصر الحكاية ولا الخيال ولا طرافة الموضوع ولا الرمز، ثم إنها تجمع النثر إلى الشعر، والذي يعيبها في نظرنا أن ابن حمادوش من الرياضيين والأطباء، وليس من الأدباء، ولكن يكفيه في هذا الميدان أنه كتب ذلك في الوقت الذي لم يتناول فيه الأدباء المعروفون،


(١) المقامات الثلاث في رحلة ابن حمادوش. انظر دراستنا عنه في كتابنا (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر)، وكذلك مقالتي (أشعار ومقامات ابن حمادوش الجزائري) في مجلة (الثقافة)، عدد ٤٩، ١٩٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>