للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأسرار، وانقلبت الأعيان، وفشا في الناس الزور والبهتان، وأهملت أحكام الشريعة، وتصدى لها كل ذي نفس للشر سريعة، بينما نحن في عيش ظله وريف، وفي أهنى لذة بقراءة العلم الشريف .. إذ سعى في تشتيت أحوالنا وقلوبنا، وهتك أستارنا وعيوبنا، من لا يخاف الله ولا يتقيه، فرمى كل صالح وفقيه بما هو لاقيه، واعتد في ذلك بقوم يظنون أنهم أفاضل، وهم والله أوباش أراذل .. وما كفاه بث ذلك في كل ميدان لأنه يسر الشيطان، حتى أوصله لمسامع السلطان، فلم نشعر إلا ومكاتب واردة علينا من جانب الأمير بعزل صديقنا الشهير، من خطة الفتوى، مع أنه ذو علم وتقوى، تحيرنا من ذلكط أشد التحير، وتغيرنا بسببه أعظم التغير ثم نادى منادي السرور، وقال ابشروا برفع السوء عنكم ودفع الشرور .. فقلنا يا هذا أصدقنا الخ) (١)، ورغم

أن البوني كان من العلماء الفقهاء فإن مقامته قد ظهر عليها الطابع الأدبي القوي والعبارة المتينة، ولكنها تظل تفتقر إلى عنصر الرمز والخيال البعيد.

أما مقامات عبد الرزاق بن حمادوش الجزائري فقد جمعت كل ذلك، وهي ثلاث كتبها على ما يظهر وهو في المغرب. الأولى سماها (المقامة الهركلية) وقد وصف فيها بيته التعسة بأحد فنادق مكناس، المسمى فندق الرحبة، وما سمعه من الجلبة والضجيج أثناء الليل الدامس وتشاجر القوم رجالا ونساء، وأثناء ذلك سمع امرأة تطالب جاره بدفع كيت وكيت على ما فعله معها من نكاح، ثم هدأت أعصاب ابن حمادوش ولكنه قرر عدم العودة إلى هذا الفندق الغريب، ونام. وختم المقامة بسبعة أبيات شعرا في نفس المعنى، وتناول في مقامته الثانية حالته عند خروجه من تطوان وتوجهه إلى


(١) مكتبة جامع البرواقية، مخطوط رقم ١٥. نسخها لي الأستاذ الشيخ الفضيل طوبال، إمام جامع البرواقية، وقد نشرتها في مجلة (الثقافة) عدد ٥٨ (١٩٨٠)، ٣٥ - ٤٣ انظر عن أحمد البوني الفصل الأول من هذا الجزء، ولعل مصطفى العنابي هو نفسه مصطفى بن عبد الله البوني الذي تحدثنا عنه في فقرة الخطابة، وهو الذي يرد أيضا في (تقييد) ابن المفتي، وهو أستاذه، وكان العنابي وأخوه حسين العنابي (جد محمد
ابن العنابي) من خصوم أحمد قدورة وابن نيكرو.

<<  <  ج: ص:  >  >>