للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء في خاتمة الكتاب أنه انتهى منه سنة ١٠٣٨ بالقاهرة وزاد عليه في السنة الموالية بعض الإضافات.

ونحن هنا أمام بعض التساؤل: لماذا لم يؤلف المقري كتابه في الشام التي أحبها وأحب أهلها وأحبوه، والكتاب أساسا كأنه موجه إليهم وبوحي منهم؟ لعل المقري قد ترك كتبه ورقاعه في القاهرة التي قضى فيها فترة طويلة والتي فيها أيضا عائلته الجديدة، ولعل كرم أهل الشام وحياتهم الاجتماعية النشطة لا تسمح له بالعكوف على كتابة مثل هذا العمل الضخم، فاختار لذلك القاهرة التي يخلو فيها لنفسه. ومن جهة أخرى يكاد يكون مستحيلا في نظرنا أن يؤلف المقري موسوعته في ظرف سنة أو نحوها، سواء كان ذلك بالتحرير الشخصي أو بطريق الإملاء. ومن الممكن أن يكون قد سود الكتاب ثم اشتغل عليه بقية حياته أي إلى سنة ١٠٤١، ومن الممكن أيضا أن تكون له رقاع ونصوص حول نفس الموضوع أعدها من قبل في القاهرة فنسقها وأضافها إلى (نفح الطيب) والدليل على ذلك ما أشرنا إليه من التكرار الموجود في (الأزهار) و (النفح).

أعجب المقري بلسان الدين بن الخطيب فنسج على منواله، ولعل إعجابه به لم يقتصر على الأسلوب الأدبي فنحن نعتقد أن المقري كان يحاول تقليد ابن الخطيب في حياته السياسية أيضا لو ساعفته الأيام، ولكن هذه قضية أخرى يهتم بها الدارسون لحياة الرجلين. أما نحن هنا فحسبنا التنبيه إلى أن المقري قد اتبع طريقة ابن الخطيب في تحرير العبارة وانتقاء الألفاظ والسجع الجميل وتوشيح النثر بالشعر، وحتى في اختيار غدد من الموضوعات، وقد هدف المقري إلى أن يكون كتابه مرجعا للشعراء والأدباء وطلاب الموعظة فقال في خاتمته (اعلم أن هذا الكتاب معين لصاحب الشعر، ولمن يعاني الإنشاء والنثر من البيان والسحر، وفيه من المواعظ والاعتبار، ما لم ينكره المنصف عند الاختبار، وكفاه أنه لم ير مثله في فنه فيما علمت، ولا أقولها تزكية له) (١)، ورغم أن


(١) نفس المصدر ١٠/ ٣٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>