المقري يتواضع أمام القارئ فيرجو العفو عن الزلل، ويعتذر، لكونه ترك مصادره بالمغرب فإنه، من جهة أخرى، كان معتزا بعمله فكرر أنه لم يسبق إليه بقوله:(وقد توهمت أني لم أسبق إلى مثله في بابه، إذ لم أقف له على نظير أتعلق بأسبابه).
شرح المقري طريقته في هذه العبارة (ورجوت أن يكون هدية مستملحة مستعذبة، وطرفة مقبولة مستغربة)، وقال إنه قد أورد فيه النظم والنثر، وأخبار الملوك والرؤساء، سواء في ذلك من أحسن أو من أساء، وذلك للعبرة والأذكار. كما جاء فيه بالهزل والمجون للترويح على القارئ، بالإضافة إلى المواعظ والنصائح وحكايات الأولياء والتوسل بالرسول (صلى الله عليه وسلم)(١)، وقد أوقعته هذه الطريقة في عدة مزالق يمجها الذوق اليوم، وهي الاستطرادات الكثيرة والتكرار الممل أحيانا، وذكر القصص التي ليس لها أهمية والأشعار الضعيفة، مع إهماله حادثة سقوط الأندلس الذي كان قريبا منه، كما أنه أثقل عبارته بالسجع الذي أصبح مع طول الكتاب مزعجا، وهو لا يتخلص منه إلا قليلا؛ وكانت مصادر المقري في كل ذلك مروياته الشخصية ومعارفه كشاهد عيان لما وقع بالأندلس في حياته أو ما أخذ من الجيل الذي سبقه من أهل الأندلس المطرودين، بالإضافة إلى مصادر أخرى مكتوبة مستمدة من المسعودي وابن خلدون والغبريني والبكري وابن بشكوال وابن الخطيب وابن بطوطة وابن سعيد وابن حيان وابن خاقان وابن جبير وابن بسام وابن خلكان وابن الأثير، وقد قسم كتابه إلى قسمين رئيسيين الأول في أخبار الأندلس وفيه ثمانية أبواب، والثاني في أخبار ابن الخطيب وفيه أيضا ثمانية أبواب، ورغم الصلة بين القسمين فإنه يمكن في الواقع فصلهما تماما، فالمهتم بتاريخ الأندلس وآدابها ونظمها المختلفة يكتفي بالقسم الأول (وفيه أخبار أيضا عن ابن الخطيب)، والمهتم بحياة ابن الخطيب السياسية والعلمية والأدبية يمكنه الاستغناء عن القسم الأول.