للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وبعد فيقول العبد الفقير، المضطر لرحمة رب المولى القدير، مثقل الظهر بالأوزار، الراجي عفوه سبحانه أحمد بن عمار، ألحفه الله رضاه، وأتحفه القرب من مرتضاه، لما دعتني الأشواق، النافقة الأسواق، إلى مشاهدة الآثار، والأخذ من الراحة بالثأر، وأن أهجر الأهل والوطن، وأضرب في عراض البيد بعطن ..) (١).

وكان ابن عمار يكتب للخاصة لا للعامة، بل لخاصة الخاصة، فأسلوبه راق، ومعانيه بعيدة. فقد جاء في وصف رسالته في التفسير قوله يخاطب الباي علي باشا التونسي (نظمت في سلك دولة هذا الملك السعيد ... عقد لبة وتاج مفرق، مما فتح الفتاح العليم، من هذه الرسالة الغريبة المبني، الوثيقة المعنى، البعيدة المرمى، القريبة المجنى .. فلينظرها المولى، بعين القبول والرضى، وليعرضها على الخواص من أدباء دولته الميمونة وعلمائها وفقهائها وزعمائها، وأما العوام فكالهوام، وليس هم المقصودون بهذه الرسالة، بل بهذا الكتاب كله ..) (٢)، فقد أوضح ابن عمار في هذه العبارات القصيرة أسلوبه الفني ومراميه، وجمهوره من القراء والمطالعين، كما أوضح محتوى كتابه في الباي والرسالة التي ضمها.

ويظهر إعجاب ابن عمار بابن الخطيب من عدة وجوه، فقد أكثر من النقل عنه في الرحلة، ولا سيما قصائد ابن الخطيب الثلاث الميمية والسينية والنونية التي قالها في السلطان أبي حمو، وقال عن شعر ابن الخطيب (شعره كله .. ما بعده مطمع لطالع)، ووعد بأنه سيلم (بشيء من أخباره، ونتف من أشعاره، وشذرات من نثره المزري بالروض وأزهاره)، وقد رد ابن عمار على

التنسي الذي قال إن ابن الخطيب قد قلد أبا تمام في سينيته وأنه اختلس منها الكثير من ألفاظها ومعانيها، فقال ابن عمار مدافعا (والحق أن ابن الخطيب غني بما رزقه الله من قوة العارضة عن الاختلاس من ألفاظ أبي تمام ومعانيه،


(١) (نحلة اللبيب) المقدمة، ٣.
(٢) إبراهيم السيالة (مباهج الأزهار ودوحة الأفكار) مخطوط تونس، رقم ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>