للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان أبو تمام، رئيس هذه الصناعة، والألفاظ إنما هي للعرب والمعاني مركوزة في أذهان العقلاء، فليس أحد أولى بها من الآخر) (١)، ولنلاحظ أنه في مثل هذه الردود لا يلجأ إلى السجع، ولعل ابن عمار كان يطمح إلى أن يكون كابن الخطيب في النثر والشعر، كما طمح أحمد المقري قبله لذلك، وإذا كانت صناعة الأدب قد واتت ابن الخطيب في عصره وكان لذلك مبررات كثيرة تساعده، فإن ظهور ابن عمار في القرن الثاني عشر وفي مدينة الجزائر، التي لا يستعمل ولاتها اللغة العربية أصلا، فما بالك بفهم أساليبها وبيانها، هو أمر في حد ذاته يثير الغرابة والإعجاب معا (٢).

والواقع أننا مهما أفضنا في الحديث عن دور ابن عمار الأدبي فلن نوفيه حقه في هذا المجال المحدود، ومن عوائقنا في ذلك عدم اطلاعنا على معظم آثاره التي ما تزال على ما يبدو موزعة بين الجزائر وتونس والقاهرة والحرمين، ورغم مكانته الأدبية وفكره المستقل فإن ابن عمار كان، إذا حكمنا من آراء معاصريه فيه، مثالا للاستقامة والتواضع والأخلاق الكريمة، وقد ترك تلاميذ في كل مكان حل به (٣). وكان ابن عمار موسوعيا أيضا ولكن الأدب ظل ميزته الأصيلة رغم براعته وتقدمه في غيره، ولعله من المفيد أن نكرر ما سبق أن قلناه في موضع آخر من أن هجرة ابن عمار والمقري والثعالبي والشاوي وابن حمادوش وأضرابهم قد أفرغت الجزائر من قواعدها العلمية وركائزها الأدبية، وهذا درس قاس جدير بنا أن نتعلمه

اليوم.


(١) (نحلة اللبيب)، ١٨٨.
(٢) عبر الحاج صادق أيضا على رأي شبيه بهذا، انظره في بحثه (المولد عند ابن عمار) ٢٨٩.
(٣) من تلاميذه أيضا في الحرمين، عمر بن عبد الكريم المعروف بابن عبد الرسول المكي الحنفي (توفي بمكة سنة ١٢٤٧) الذي أصبح يدعى (شيخ الإسلام)، انظر (فيض الملك المتعالي) ٢/ ٩٣، مكتبة الحرم المكي، مخطوط. انظر أيضا كحالة (معجم المؤلفين) ٧/ ٢٩٣، والكتاني (فهرس) ٢/ ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>