للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخنا كانت موجودة وأن الفساد الاجتماعي - الأخلاقي كان منتشرا، وبالإضافة إلى ذلك شاعت القهوة والدخان، وكلاهما كان محل مناقشة بين الفقهاء وكثر في ذلك القيل والقال، وانتصر بعض الشعراء، كما سنرى، لشرب الدخان الذي يسميه (السبسي)، بل كانت تجارة الدخان تجارة رابحة. وكان وجود الأسيرات المسيحيات قد أدخل عنصرا جديدا على الحياة الاجتماعية، وكان بعض الضباط والجنود، وبعض رجال الدين أيضا، يتزوجون في أكثر من بلد، وبالغ بعض الضباط فأخفوا زواجا وأعلنوا آخر (١)، بل إن ابن حمادوش يحدثنا أن أحد الباشوات كان مع أهله على سفاح سري إلى أن نصحه العلماء المقربون منه بإفشاء زواجه، ولم يمنع عدم خروج المرأة الحرة واختلاطها بالرجال الشعراء من تناول المرأة في شعرهم، فقد استعمل بعضهم الرموز واستعمل البعض التصريح، ومع ذلك فإن بعض الشعراء قد لجأوا إلى التغزل بالمذكر، وهكذا نجد أن بواعث الشعر الاجتماعية كثيرة ومتنوعة، وأن المجتمع كان متصلا وفيه ما في المجتمعات الأخرى المشابهة من عبث ومجون وتحلل.

على أن من القضايا التي شغلت بعض الكتاب هي علاقة الشعر الفصيح بالملحون وعلاقة الشعر عموما بالحياة والدين، وقد شكا أحمد بن سحنون من غلبة العجمة على ألسنة الناس ولجوء الشعراء إلى الملحون بدل الموزون أو الفصيح، ثم شكا بمرارة من تخلف الشعر وندرة الجيد منه، وقد اتخذ الناس الشعر الملحون أيضا أداة للمدح والهجاء والدين والغزل والمقاصد الأخرى التي اعتاد أن يطرقها الشعر الفصيح. ولنستمع إلى ابن سحنون وهو يتحدث عن هذه القضية في نطاق حديثه عن الباي محمد الكبير ومدح الشعراء له (اعلم يا أخي أن الألسنة غلبت عليها العجمة، وارتفع منها سر الحكمة، فصار الناس إنما يتغنون بالملحون، وبه يهجون ويمدحون، ولهم في ذلك فنون رقيقة، ومعاني رشيقة، وقد مدحوه (الباي محمد الكبير) بما لا


(١) انظر أراندا (قصة أسر وتحرير أراندا)، باريس ١٦٦٥ , ط. الإنكليزية (تاريخ الجزائر)، ١٦٠٢ - ١٦٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>