للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك قصيدة له في عشرين بيتا في المدينة المنورة أيضا، مطلعها:

أهدت لنا طيب الروائح يثرب ... فهبو بها عند التنسم يطرب

فالتشوق إلى البقاع المقدسة ووصفها والحنين إليها ومدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) أغراض قديمة عند الجزائريين.

وقد أكثر بعضهم من النظم في هذا الغرض حتى أنهم خصوه بديوان كامل. ومن هؤلاء عبد الكريم الفكون. فقد سبق أن أشرنا إلى أنه نظم ديوانا في مدح الرسول وفي حياته عموما. ولا غرابة في ذلك فالفكون كان أميرا لركب الحج الجزائري مدة طويلة، وقد وصفه العياشي بأنه كان يذهب كل سنة حتى بعد أن تقدمت به السن، ووصف العياشي هذا الديوان وقال إن

الفكون قد رتبه على حروف المعجم وكتب عليه مما يمدح به عند الغمة، وساعة الغياهب المدلهمة. وقد التزم الفكون فيه طريقة صعبة فجعل مبدأ كل سطر حرفا من حروف: (اللهم اشفني بجاه محمد، آمين). وجملة ذلك خمسة وعشرون حرفا، ففي كل قصيدة مثلها أبياتا. ففي قافية الهمزة خمسة وعشرون بيتا، وكذلك في قافية الباء، وهكذا إلى آخر حروف المعجم، ويمكننا أن نتصور بعد ذلك كم في هذا الديوان من أبيات، وكان الفكون قد نظم هذا الديوان بعد أن أصيب بمرض غريب ألزمه الفراش سنة وشل نصفه الأيسر ولم يكن يرجو برءا منه فشفاه الله، وكان ذلك سنة ١٠٣١ (١). وللفكون قصائد أخرى في التوسل وغيره سبق أن أشرنا إليها في غير هذا المكان (٢).

وكل من ابن حمادوش وابن عمار قد تحدث عن عادة أهل مدينة


= الطيب)، ١٠/ ٣٢٧ - ٣٣٧، وأورد له أسماء كتب في هذا المعنى منها (نظم الدرر في مدح سيد البشر) و (المورد العذب المعين في مولد سيد الخلق أجمعين) بالإضافة إلى (درر الدرر). وعن شعر المدائح النبوية في القرن التاسع انظر الفصل الأول من الجزء الأول.
(١) (منشور الهداية) ٢٤٣ - ٢٤٤، انظر أيضا رحلة العياشي، ٢/ ٣٩٢ - ٣٩٠.
(٢) انظر ترجمتنا للفكون في الفصل السادس من الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>