مناسبات محدودة نستطيع حصرها في الجهاد ضد الأجانب، وخصوصا الإسبان، ومدح بعض الأمراء طمعا في مالهم، والموقف من الأتراك مدحا وذما. وقد عرفنا أن الأمراء لم يكونوا يتذوقون الشعر فلم يشجعوا على قوله، كما أن بقاءهم في الحكم كان مرهونا بظروف طارئة فهم لا يبقون فيه إلا فترات قصيرة تكون عادة مليئة بالصراعات وغالبا ما تنتهي نهاية دموية، والشعر السياسي يعيش عادة في ظروف هادئة يدوم فيها حكم الأمير فترة معقولة يعرف الناس خلالها أخلاقه ومواقفه ليمدحوه عليها أو يذموه. كما أن الشعر السياسي يحتاج إلى تذوق الأمراء له وتشجيعهم عليه، وهذه الظروف كانت كلها تقريبا مفقودة في الجزائر خلال العهد المدروس.
وكان عبد الكريم الفكون قد انتقد علماء وقته في تقربهم إلى الولاة وتنافسهم على رضاهم وخدمتهم، ومن الواضح أن هؤلاء العلماء كانوا يتنافسون عن طريق الدس والفتنة والوشاية وليس عن طريق الكلمة المكتوبة نثرا أو شعرا، ولو وجد هؤلاء العلماء مجالا للتنافس بالشعر لاتخذوه وسيلة للرقي والشهرة بدل المؤامرة والدس، ومن سوء الحظ أن هذه الظاهرة، ظاهرة الصراع المكتوم أو الصامت بين المثقفين، ما تزال موجودة في الجزائر، لأن العهد الفرنسي أيضا لم يفتح شهية الشعراء للتنافس بالقصيد. ونستثنى من هذا الحكم شعراء محمد بكداش باشا وشعراء الباي محمد
الكبير، الذين وجدوا في ممدوحيهم إرادة خيرة في إكرامهم والإنعام
عليهم، وقد قيل عن أحمد المقري أنه قد اتخذ شعره سلما للدنيا وأنه مدح به الأمراء والحكام، ورغم أننا لم نجد له كثيرا من هذا النوع، فإنه في الواقع لم يمدح بشعره أمراء بلاده الجهلة بلغته وإنما مدح به بعض وجهاء مصر والشام، ولعله قد مدح به أيضا بعض أمراء المغرب الأقصى، ورغم أن الشعر السياسي في أغلبه غير صادق، فقد كنا نود أن تتفتح أمام الشعراء مجالات في بلادهم حتى نتعرف من خلاله على كثير من تطوراتها
ومواقف رجالها، ذلك أن الشعر السياسي اليوم يدرس من وجهتين رئيسيتين