ولنبدأ بشعر الجهاد. فقد شكلت ذكريات سقوط الأندلس وأثر ذلك على المسلمين هناك وتهديد الإسبان باحتلال المغرب العربي، العمود الفقري للعاطفة الدينية - السياسية التي نسميها الجهاد، ورغم أن الجهاد عموما يقصد به هنا مجابهة غير المسلمين وردهم على أعقابهم، فإنه قد انحصر تدريجيا في رد غارات الإسبان خصوصا وطردهم من الجيوب التي نزلوا بها على السواحل، ولاسيما وهران ومرساها، وإذا كان العثمانيون قد ساعدوا الأهالي في طرد الإسبان من المدن الساحلية (مدينة الجزائر، بجاية، شرشال، جيجل، عنابة، مستغانم الخ.) فإنهم قد توقفوا عن طردهم من وهران ونواحيها، لذلك ظل الوجود الإسباني هناك كأنه رمز لاستمرار الجهاد والدعوة إليه من قبل رجال الدين والشعراء، ويمكن القول بأن معظم الشعر السياسي، بما في ذلك مدح بكداش باشا والباي محمد الكبير، قد تمحور حول هذه النقطة، بل أصبح عند بعض الشعراء هو ميزان الولاء أو الثورة ضد
العثمانيين.
وقد قيل الكثير من الشعر في التحريض على الجهاد وفي التهنئة بالنصر، فمن الذين مدحوا حسن بن خير الدين باشا على فتح حصن مرسى
وهران الأعلى وهروب الإسبان إلى الجزء الأسفل منه، الشاعر
عبد الرحمن بن موسى في قصيدته التي مطلعها (١): هنيئا لك باشا الجزائر والغرب ... بفتح أساس الكفر مرسى قرى الكلب وله غيرها في نفس المناسبة. وهو من أوائل الشعراء المؤيدين للعثمانيين لجهادهم ضد الأسبان، ولذلك وصفه بأنه باشا الجزائر وإقليم وهران أو الغرب، ولكن حسن باشا لم يستطع أن يطرد الإسبان نهائيا، وظل وجودهم يثير مشاعر الشعراء كلما حانت المناسبة، ولو جمعنا من الشعر ما
ذكره الجامعي وابن ميمون وابن سحنون وغيرهم في فتح وهران وطرد
(١) (البستان) لابن مريم، ١٣١، وقد تم هذا الفتح سنة ١٠٠٧، حسب ابن مريم. وهو تاريخ فيه نظر.