للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن فتح وهران الثاني والأخير هو الذي حظي بعدة مؤلفات. ومعظم هذه المؤلفات كتبها أنصار الباي محمد الكبير الذي تم على عهده وعلى يديه هذا الفتح. فالمؤلفات إذن كانت تاريخا للحادث الكبير ولكنها أيضا كانت تاريخا لسيرة الباي وأعماله ومكانته بين الناس. وسنرى أن بعض هذه المؤلفات تتناول نشاط الباي في نواحي أخرى أيضا غير وهران. وقد كان للباي محمد الكبير إحساس كبير بالتاريخ لم يكن لغيره. فقد شجع الأدباء والكتاب على مدحه وقربهم إليه لكي يخلدوا اسمه في أشعارهم ومؤلفاتهم. كما شجع بعضهم على كتابة تاريخ ما يقوم به من أعمال وتدوين الأحداث التي كان يشترك فيها أو لها علاقة بمجده. من ذلك عمل ابن رقية المشار إليه. ومنه أيضا أنه كلف، أثناء محاصرة الإسبان بوهران، كاتبه الخاص محمد المصطفى بن عبد الله المعروف بابن زرفة أن يقيد الحوادث المتعلقة بالجهاد وما يصل إلى الطلبة المشاركين في الحصار من أطعمة وغيرها (١). وهو الذي أشار أيضا على أبي راس بشرح قصيدته السينية في الفتح، وعلى كاتبه الآخر ابن سحنون بوضع تأليف في الموضوع نفسه، وهكذا.

وبعد أن أكمل ابن زرفة عمله المذكور سماه (الرحلة القمرية في السيرة المحمدية) (٢). والواقع أن الكتاب ليس رحلة، كما يوحي عنوانه، وإنما هو في سيرة الباي محمد الكبير وجهاده. فقد بدأ في تقييده كما ذكرنا أثناء الحصار ثم توقف عن ذلك لأسباب لا نعرفها ولكنه ظل يجمع الأخبار والرسائل وغيرها، وكان له سبيل للوصول إلى الوثائق الرسمية أيضا باعتباره


(١) (الثغر الجماني) مخطوط باريس.
(٢) لخصها هوداس في (مجموعة الأبحاث الشرقية) التي قدمت إلى مؤتمر المستشرقين الرابع عشر الذي انعقد بمدينة الجزائر سنة ١٩٠٥، وقد اطلع هوداس منها على نسختين واحدة في ١٨٦ ورقة وهي بتاريخ ١٢٠٧، والأخرى في ١٥٥ ورقة، وهي بتاريخ ١٢٩٦. وقد أعطاني الأستاذ علي أمقران السحنوني مشكورا نسخة من هذه الرحلة مضروبة على الآلة الراقنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>