خلدون عتابه لأهل المغرب على أنهم قد أهملوا رواية أخبارهم وأنسابهم، وهو يقول إن (آفة الحفظ عدم التقييد) ونقل عن الفرس أنهم كانوا يكتبون سير ملوكهم ويتدارسونها، وهذا رأي هام إذا لاحظنا أن تدوين التاريخ في الجزائر العثمانية كان قليلا جدا، والغريب أن ابن سحنون كان ما يزال صغير السن عند كتابة القصيدة والشرح الذي أتمه سنة ١٢٠٧، وقد عرفنا أن مكانته الأدبية قد نالت تقدير علماء مدينة الجزائر الذين لاحظوا في تقريظهم لكتابه (الأزهار الشقيقة) أنه كان ما يزال غض العود، والواقع أن في (الثغر الجماني) أخبارا هامة ليس فقط عن فتح وهران والباي وحاشيته ومناصريه ولكن عن حياة الشاعر الأديب نفسه وعن المؤلفات الأخرى التي تتعلق بالغرب الجزائري وأخبار العلماء والمتصوفة في المنطقة، بالإضافة إلى أخبار أخرى لا تتعلق بالجزائر كحديثه عن الثورة الفرنسية ومقتل لويس السادس عشر (١).
وقد قام أبو راس بعمل شبيه بما قام به ابن سحنون. فقد كتب أيضا قصيدة في فتح وهران ثم شرحها بطلب من الباي نفسه، وسمي القصيدة (نفيسة الجمان في فتح ثغر وهران)، أما شرحه لها فقد سماه (عجائب الأسفار ولطائف الأخبار)، فالشرح إذن أعم من القصيدة. وتفاصيل ذلك أن أبا راس كان عائدا من الحج سنة ١٢٠٥ فسمع وهو بجزيرة جربة عن الجهاد في وهران فأسرع بالعودة عبر تونس وقسنطينة لكي يشارك فيه، وعند وصوله كتب قصيدة سينية، لأن الأمراء والأدباء يحبون قافية السين على حد قوله، أشاد فيها بالباي وبالجهاد والنصر وقدمها لولي نعمته، الباي محمد الكبير،
(١) اطلعنا منه على نسختين مخطوطتين، واحدة في باريس رقم ٥١١٤، والأخرى في القاهرة، التيمورية، رقم ٢١٨٦ تاريخ، وبين النسختين نقص وزيادة لأن المؤلف قد نقح عمله، وقد نشره المهدي البوعبدلي، سنة ١٩٧٣ اعتمادا على نسخة أخرى، فاستفدنا من المقدمة التي كتبها له، ولابن سحنون كتاب سماه (عقود المحاسن) يبدو أنه ديوان أدب، وقد قال عنه ان الظروف لم تسمح بتقديمه إلى الباي، وهذا الكتاب الآن في حكم المفقود.