للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحوالهم العقلية والنفسية كالجنون والتوتر العصبي ونحو ذلك. وهو في كل ذلك يقارن الصالح بالطالح فيقول انظر كيف تصرف فلان، أما أهل الفساد اليوم فيفعلون كذا وكذا، أو هذا في زمانهم فما بالك بزماننا.

ولعل أبرز ما في (منشور الهداية) حديث مؤلفه عن العلاقات العامة في عصره. فنحن نجد فيه ما نجده في غيره عن صلات العائلات القسنطينية وروابط العلماء، وعلاقات هؤلاء وأولئك بالحاكمين العثمانيين. كما نجد فيه وصفا لبعض الثورات ضد الحكام. بالإضافة إلى وصف هام للأحوال الاجتماعية والاقتصادية في الريف والمدينة. ولذلك قلنا إنه ليس كتاب تراجم جافة وإنما هو وثيقة حية تصف العصر وأهله. والذين قالوا عن الكتاب بأنه في (أحوال فقراء العصر) مثل العياشي، لم يقرأوه ولم يرضوا عن مؤلفه الذي كان في نظرهم ضد تيارهم وطريقتهم. ولذلك قال العياشي عن مؤلفه إنه عدل عن علوم أهل الرسوم في آخر عمره وأصبح من المتزمتين المنزوين عن الناس (١). ومهما كان موقف الفكون في نهاية حياته فإن كتابه (منشور الهداية) قد أصبح بالنسبة إلينا نحن جيل هذا القرن مرآة نرى منها جانبا من حياة أجدادنا في عصر ساد فيه الغموض والغوضى (٢).

ومن سوء حظ الباحثين أن تراجم أحمد بن عمار قد ضاعت ولم يبق منها سوى نتف مذكورة في (نحلة اللبيب). ذلك أن كتاب ابن عمار الذي سماه (لواء النصر في فضلاء العصر) لم يعثر له على أثر حتى الآن، مثله في ذلك مثل رحلة المؤلف الحجازية. وكان ابن عمار قد ترجم في كتابه الضائع (لفضلاء) عهده والقرن السابق له، ولم يترجم لصلحاء الوقت كما فعل ابن مريم وأمثاله، مما يوحي أن مختاراته كانت على رجال العلم والأدب


(١) العياشي (الرحلة) ٢/ ٣٩٦.
(٢) اطلع السيد فايسات (روكاي) ١٨٦٨، ٢٦٣، على صفحات من كتاب الفكون. وقال انه (مذكرات عن رجال وحوادث عصره). وحاول الحصول على نسخة منه، وبعد جهد جهيد أيس عازيا ذلك إلى اللامبالاة وسوء نية المالكين للكتاب وقلنا إن هذا الكتاب قد حقق ونشر في بيروت، ١٩٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>