للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتوسع في الأدبيات بطريقة لم يسبقه إليها غيره (١).

وقد عدل المقري عن هذه الطريقة قليلا في ترجمته الطويلة أيضا للسان الدين بن الخطيب في كتابه (نفح الطيب). فقد خصص له القسم الثاني من هذا الكتاب وتتبع حياته كما فعل مع القاضي عياض، ولكنه كان أكثر منهجية هنا رغم كثرة الاستطرادات التي ظلت تميز أسلوب المقري وطريقته. وقد عرفنا أنه ألف (نفح الطيب) بطلب من أهل دمشق. وقسم المقري ترجمة ابن الخطيب إلى ثمانية أبواب (ولم يسمها رياض) فتحدث في الأول عن أولية وأسلاف ابن الخطيب، وفي الثاني عن نشأته وترقيته ووزارته وما لقي من ذلك من أيام عز وأيام هوان، وقصوره وأمواله وتقلبات الزمان ضده، وفي الثالث عن مشائخه وثقافته وما يتصل بذلك. وفي الرابع عن مخاطبات الملوك والأكابر الموجهة إليه وثناء أهل العصر عليه. وفي الخامس في جملة من نثره وشعره وأزجاله وموشحاته. وفي السادس عن تلاميذه، وأخيرا عن أولاده ووصيته لهم (وما يتبع ذلك من المناسبات القوية والأمداح النبوية) (٢).

وفي كلا الترجمتين يسير المقري في الواقع على طريقة أهل العصر.

فقد عرفنا أن الاستطراد كان يعتبر من فضائل التأليف، وأن الالتزام بمنهج محدود يسبب في نظر الكتاب الملل للقاري فلا يتابع القراءة وتضيع الفائدة. فكان لا بد أيضا من حكايات ولطائف وأخبار إضافية تروح عن النفس في القراءة. وبقدر ما يحذق المؤلف طريقة جلب لطائفه وأخباره بقدر ما يكثر قراؤه ويبرهن على محفوظه وذوقه. وإذا كنا نحن اليوم نستثقل هذه الطريقة فإنها كانت لمعاصري المقري محببة ومطلوبة. ولذلك تكاثرت، كما لاحظنا، الاستطرادات عنده وتضخمت نقوله في كلا العملين، بل إن في (نفح الطيب) كثيرا من التكرار لما في (أزهار الرياض). ولكن دور المقري


(١) انظر ترجمة أحمد المقري في فصل اللغة والنثر من هذا الجزء.
(٢) (نفح الطيب) ١ / المقدمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>