قضية شرب القهوة وتناول الدخان وسماع الموسيقى، واستنكر خروج المرأة متبرجة، وقطع الميراث عنها في بعض الجهات، وغير ذلك من العادات القبيحة في نظره والتي سماها عمل الجاهلية. كما استنكر طريقة الحكم العثماني وقلة العلم في عهده وشيوع الرشوة والاستيلاء على الأوقاف وانتشار الظلم. وقال عن أهل الجزائر أثناء الحج إن (أهل وطننا فيهم الغلظة والجفاء وسوء الأدب وعدم إذعانهم للحكم)، وفي مكان آخر قال عنهم أيضا (وأما الركب الجزائري فلا حكم عندهم أصلا، ولا يتوقفون عند الأمر والنهي). وقارن بين الجزائر وتونس وطرابلس فوجد أن الحياة الاقتصادية في البلدين الأوليين أغنى وأخصب، بينما كانت ليبيا تعيش على ما يرد إليها من الخارج وليس فيها من المناطق الخصبة سوى جزء ضئيل. وهذه الملاحظات نفسها أبداها بالنسبة لمصر والحجاز إذ أكثر من الحديث هناك عن فساد الأمن وقلة المياه وحالة الزراعة ونحو ذلك.
وهكذا يتضح أن رحلة الورثلاني، رغم كل ما فيها، تعتبر موسوعة أخبار عن جزء كبير من العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر (١٨ م). فهي من المراجع التي لا غنى عنها في هذا المجال. وكان تكرار حجه وإتقانه للعربية ومعرفته بعادات الشرق والغرب قد جعلت الورثلاني حكما منصفا على العصر وأهله في كثير من المناسبات، وقد يكون من المفيد للتاريخ أن نعثر على كناشاته التي كان يسجل فيها ملاحظاته أو على النسخة الأصلية المملاة من الرحلة. فرجل كالورثلاني تضم أوراقه هاتيك الملاحظات والانطباعات والأحكام جدير بالدراسة والبحث بطريقة أكثر عمقا وشمولا مما درس به حتى الآن (١).
(١) عدنا في هذا التعريف بالورتلاني وعمله إلى رحلته المطبوعة، وإلى ما كتبه عنه الحاج صادق في عمله المذكور، وكذلك دراستنا عنه التي قدمناها لندوة تاريخ الجزيرة العربية، وعلى من يرغب في معرفة ما كتبه الورتلاني عن الجزيرة العربية والمشرق عموما، أن يعود إلى هذه الدراسة. وقد ظهرت عده بحوث عن الورتلاني منذ كتبنا عنه هنا، مثل بحث المختار فيلالي، جامعة قسنطينة.