المعالجة، سواء كان في أعلى مكان أو أدناه. حقا أن الإيمان بالقضاء والقدر في هذا الميدان كان مسيطرا على العقول بصفة عامة ولكن بعض الناس كانوا يؤمنون بالعلاج والتداوي واتخاذ الوسائل والأسباب للمحافظة على الصحة، وهم أولئك المؤمنون بالحديث المنسوب إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم): (العلم علمان، علم الأديان وعلم الأبدان). ولذلك وجدنا بعض التآليف والرسائل والأراجيز في علم الطب وفروعه، ووجدنا عددا من المتطببين أيضا. ومع ذلك فإن الخرافة قد اختلطت بالطب في معظم الأحيان. فالعامة كانت تؤمن بالتداوي بالشرب من بئر معينة أو بتعليق تميمة، أو بزيارة ولي، كما أن النسوة خصوصا كن يؤمن ببعض الأسباب غير الطبية للبرء من العقم وحفظ الولاء بين الزوجين، ونحو ذلك.
ومعظم الأدوية الشائعة كانت تتناول الجانب الخارجي من جسم الإنسان. فالجراحة ونحوها كانت شبه معدومة. وكلمة حكيم كانت هي الشائعة عند الناس، وكان الطبيب محل احترام وتبجيل. وكان بعض العلماء وأشباههم يركبون الأدوية من النباتات المتوفرة في البلاد ويصنعون المعاجين والأشربة ويستعملون وسائل الكي والحجامة، ونحو ذلك. وقد وضعوا مجموعة من الوصفات للتغلب على بعض الأمراض الشائعة كوجع الرأس والمعدة والحروق والإصابات الجلدية وضعف الأعضاء التناسلية ووجع المفاصل وغيرها. كما نجدهم قد عينوا أدوية خاصة للتغلب على السموم والتأثيرات الخارجية الأخرى كالإصابة من حرارة الشمس. ونحن نجد في (كشف الرموز) لابن حمادوش وبعض مؤلفات أحمد البوني نماذج حية عن ذلك. والغريب أنه بالرغم من تقدم علم الطب في تاريخ الحضارة الإسلامية واشتغال علماء المسلمين بالجراحة والصيدلة، فإن أهل الجزائر، بمن في ذلك علماؤهم، كانوا يؤمنون بأن الطب مقصور على الأوروبيين (١).
(١) لاحظ بانانتي الإيطالي، ٢٦٠ - ٢٦١ أن أهل الجزائر يعتقدون أن كل أوروبي طبيب كما يعتقد الأوروبيون أن كل إيطالي مغن، ومن جهة أخرى نجد هذه العقيدة في قصر =