ولا نكاد نجد في كتب الجزائريين إلا بعض الإشارات النادرة، التي تكتفي فقط بالتاريخ ووصف البناء وصفا أدبيا. فإذا أرخوا مثلا لأعمال الباي محمد الكبير قالوا إنه بنى المسجد الأعظم بمعسكر والمدرسة المحمدية وبعض الأضرحة والقباب على الأولياء، وإذا تحدثوا عن أعمال صالح باي قالوا إنه بنى المدرسة الكتانية ومد الجسر المشهور ونحو ذلك، وقد وصف بعض الشعراء هذه الأعمال، كما وصف ابن عمار قصر ابن عبد اللطيف، ولكننا الآن لا نريد هذا النوع من الحديث والوصف، بل نريد تاريخ المآثر العمرانية في الجزائر وأشكالها وأنواعها وبناتها وطريقتهم في ذلك، ومدى تأثرهم بغيرهم وتأثيرهم، ومهارتهم، وتفاضلهم. وهذا هو الذي نفتقده في هذا الميدان.
وتتمثل العمارة الجزائرية في المساجد ونحوها (الزوايا، قباب أهل التصوف) والقلاع والجسور والثكنات والدور والقصور. وقد استمد البناة طريقتهم من حضارتهم القديمة التي شاعت أيام الأغالبة والحفصيين والزيانيين. كما استمدوها من حضارة الأندلس التي تشترك في كثير من الخصائص مع حضارتهم. وقد هاجر الأندلسيون أنفسهم إلى الجزائر وجلبوا معهم صناعة البناء فكان تأثيرهم عظيما ولا سيما في القلاع والقصور. أما الأثر العثماني فقد ظهر خصوصا في بعض المساجد والقلاع والثكنات، وكانت البيئة وراء طريقة العمارة في الجزائر. فالحرارة والبرودة من جهة وعدم ظهور المرأة هي التي أملت كثيرا من أساليب بناء المنازل والمساجد والزوايا، وكان الغزو البحري وتعرض السواحل الجزائرية للهجمات المتكررة قد أملى طريقة بناء القلاع والحصون والمنائر للمراقبة والدفاع، ومن جهة أخرى أدت وفرة الجنود العزاب إلى كثرة بناء الثكنات ولا سيما في مدينة الجزائر التي كانت تضم على الأقل ثماني ثكنات كبيرة.
وقد تحدث الكتاب الأوروبيون عن كيفية البناء وجلب مواده وأبرز من قام به من الأمراء والبناة. فنسبوا إلى عرب أحمد باشا بناء الأسوار الحصينة والفوارات والعيون وقلعة الفنار. ونسبوا إلى حسن باشا بن خير الدين بناء