للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العصور. ولا نريد الآن أن ندرس أسباب الظاهرة، ولكننا ننبه الجيل الجديد إلى أن عدم الكتابة والتدوين قد ترك المجال فارغا أمام المغرضين والمؤولين لتاريخ البلاد وخصائص أهلها والطعن في قدرتهم الفكرية. وسيلاحظ الجيل الحاضر كيف وظف الفرنسيون وغيرهم من الأجانب، عزوف الجزائريين عن الكتابة، فاعطوا تفاسير لتطورهم لا تنصفهم. وما نرجوه هو أن يحفز كتابنا جيل القرن الواحد والعشرين على الكتابة في مختلف المجالات وتصحيح ما تقوله المتقولون والخراصون عن وطنهم وأجدادهم.

وإن خوف الجزائريين من تدوين التاريخ والكلمة المكتوبة قد أفضى بهم إلى حساسية مفرطة من النقد، فهم لا يتسامحون مع الناقد ولا يظهرون الإستعداد للجدل والمناقشة، بل يريدون من الكاتب أن (يقول خيرا أو يسكت)، وهذه الحكمة إن جازت في الأخلاق فإنها لا تجوز في العلم والتاريخ، فنحن مثلا قد نقلنا آراء وجلونا مواقف وعلقنا بما بدا لنا أنه أقرب إلى منطوق ومفهوم النصوص والظروف. وكل ما نرجوه أن يتقبل البعض ذلك منا بصدر رحب، وأن يناقشوه إن ظهر لهم أنه خلاف ما انتهينا إليه، وأن يتأكدوا أن السلف لم يكونوا ملائكة ولا شياطين وإنما كانوا بشرا مثلنا، تحكم فيهم الجهل والهوى أحيانا، وأجبرتهم الحوادث والظروف أحيانا أخرى. فليعتبر شبابنا بهم جميعا، في نجاحهم وخطئهم.

ومن حق القارئ أن يعرف أن هذا الكتاب قد ولد مرتين: فقد كتبت منه ثلاثة فصول ونصفا عندما كنت أستاذا زائرا في جامعة ميشيقان سنة ١٩٨٨. وأثناء رجوعي إلى الوطن ضاعت محفظتي التي فيها الفصول المكتوبة وبطاقات الفصول الأخرى ومراجع وأوراق ومصورات كثيرة. وكانت النكبة التي ذكرناها والتي هزت كياني وشلت فكري فترة طويلة (١). ثم أمرع الفكر ورجع الأمل، فأخذنا في تصفح الذاكرة بحثا عن المراجع التي عرفناها من قبل والمخطوطات التي سافرنا إليها. وهكذا استأنفنا المسيرة في


(١) انظر ما كتبناه عن هذه النكبة في كتابنا (في الجدل الثقافي)، تونس، ١٩٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>