البحث. وقد واتت الفرصة يوم تحصلنا على منحة (فولبرايت) فسافرنا إلى أمريكا واستقبلتنا جامعة منيسوتا أستاذا زائرا، سنة ١٩٩٣. وفي هذه الجامعة ولد الكتاب ميلاده الثاني في خلوة (كيرول) بمكتبة ويلسون. فقضينا فيها الأيام وجزءا من الليالي على مدى ثلاث سنوات بين البحث والتحرير والتنقيح والتصحيح. ويجب القول أن خطة الكتاب الأصلية قد طرأ عليها تعديل كبير بين الميلاد الأول والثاني. فقد كانت الخطة الأولى تشغل جزئين فقط ولا تتوسع في التعليم والتصوف والإستشراق ونحوها من الموضوعات. فإذا بالخطة الجديدة تشمل كل ذلك وتتوسع فيه وفي غيره، فأصبح الكتاب في عدة أجزاء، كما فصلنا. وصدق الله العظيم إذ يقول:{وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}. فإذا كان هدف المعتدي على المحفظة هو عرقلتي بعض الوقت فقد نجح، أما إذا كان هدفه هو سحق المشروع فقد خاب (١).
بعد استئنافنا العمل في الكتاب مر إنجازه بثلاث مراحل: المرحلة الأولى جمعنا من الجزائر وغيرها ما استطعنا من مادته العلمية. ثم سافرنا إلى أمريكا واستمر عملنا في جمع المادة أيضا بعد أن توفرت شروط البحث. وكنا في سباق مع الزمن إذ كان علينا أن ننجز أكبر نصيب من الكتاب في ظرف تسعة أشهر (مدة المنحة). وبعد حوالي أربعة أشهر شرعت في تسويد كل فصل توفرت عندي مادته أو قاربت. فكنت أحرر ما استطعت في الصباح وأواصل البحث في المساء. وأثناء ذلك كنت أجد معلومات إضافية تهم الفصول التي حررتها فأضعها في حزم موزعة على الفصول المسودة. ثم مددت إقامتي بدون منحة، فكان علي أن أدرس بعض الوقت لتدبير العيش بينما حافظت على النظام السابق في التحرير والبحث. فلم يحن يناير ١٩٩٥ حتى انتهيت من تسويد كل الفصول تقريبا.
(١) يمكنني القول إنني عوضت تقريبا كل ما ضاع مني عدا شيئا واحدا، وهو يومياتي، إذ من المستحيل استعادة ما فيها من الأسفار والمشاهدات والإنطباعات والأحداث من الذاكرة وحدها. وهي تضم سنوات ١٩٨٤ - ١٩٨٨.