الجنوب، في المدن أو غيرها. كما سنتناول بعض الجوانب المتعلقة بالتعليم مثل المرتبات وإعداد التلاميذ والبرنامج الدراسي. وقد كشفت تقارير المفتشين (وهم مستشرقون مرتبطون بالإدارة الاستعمارية) عن صمود المقاومة الثقافية وموقف المتعلمين من توجيهات الإدارة. إن عمق الثقافة الوطنية يكمن في دراسة تفاعلاتها مع مخططات الاستعمار الفرنسي، وقد كانت تمثل خطا موازيا للثقافة الفرنسية إلى أن ظهرت الحركة الإصلاحية، فاشتد التنافس بين الثقافتين وساعد ظهور الأحزاب الوطنية على دعم هذه المقاومة.
إن هذا الفصل لن يغطي كل أنواع التعليم الأصلي، فقد كان علينا أن نخصص فصلا للتعليم في الزوايا والمدارس الحرة التي أنشأها بعض الرواد ثم الحركة الإصلاحية منذ بداية القرن، وبعض الأحزاب بعد الحرب العالمية الثانية. فالفصلان اللذان يتناولان التعليم الأصلي يكمل بعضهما البعض إذن. لقد كنا عالجنا موضوع التعليم العربي الإسلامي خلال العهد العثماني بأنواعه وأطواره، فلا سبيل إلى الرجوع إليه هنا (١). ولذلك فأننا سنبدأ حديثنا عن التعليم منذ الاحتلال الفرنسي لنعرف انطباع الفرنسيين وغيرهم أثناء السنوات الأولى من (اكتشافهم) للجزائر ومجتمعها. ثم نتتبع تطور هذا التعليم في عهد الاحتلال وكيف استجاب أو تفاعل مع الضغوط الجديدة التي فرضتها السلطات الفرنسية، ونعرف الدور الذي قام به في استمرار الثقافة وتغذية الروح الوطنية إلى ظهور حركة النهضة والإصلاح التي تنادى فيها الجميع بالتعليم الوطني القائم على اللغة العربية والروح الإسلامية والأخذ بالعلوم الحديثة.
وقبل أن نتحدث عن الآراء والتقارير التي كتبت حول التعليم العربي الإسلامي (الأصلي) من قبل الفرنسيين أثناء اكتشافهم للحياة الجزائرية، دعنا نذكر بأنه لا يمكن تصور مسيرة هذا النوع من التعليم دون معرفة العلاقة بينه
(١) انظر الجزء الأول من (التاريخ الثقافي)، ط.٢، ١٩٨٥.