الأخرى. حقيقة أن الجميع تقريبا كانوا يعرفون القراءة والكتابة، وتكاد الجزائر تخلو عندئذ من الأمية، ولكن الذين يواصلون دراستهم إلى التعليم العالي عدد قليل. وكانت طرق اكتشاف المواهب ضعيفة أو معدومة. وكان حفظ القرآن الكريم ومعرفة اللغة العربية نوعا من الت عبد وجزءا من التعمق في الدين وليس وسيلة لفهم الحياة وخوضها والصراع الفكري مع الأمم الأخرى. وقد اختفت من البرنامج أو كادت دراسة التاريخ الإسلامي والعلوم الطبيعية والرياضيات والحساب والجبر والطب وعلوم الفلاحة والتجارة.
وحين سيطر الفرنسيون على الوضع في الجزائر - بعد ١٨٥٠ - فرضوا أيضا شروطهم على الاستمرار في تدريس اللغة العربية والعلوم الإنسانية. فقد شجعوا اللهجات العربية والبربرية الدارجة، لإماتة الفصحى، وفرضوا اللغة الفرنسية في المدارس الابتدائية وغيرها من مؤسسات التعليم مثل مدرسة ترشيح المعلمين والمدارس الشرعية. ثم تدخلوا أيضا في طريقة تدريس الفقه فحذفوا منه بعض الأبواب فأصبح ممنوعا مثلا على المدرس أن يدرس باب الجهاد، ومنعوا أحيانا تدريس التوحيد، وأجبروا المعلمين على تحفيظ القرآن للأبناء دون تفسيره لهم، وطاردوا حتى المداح أو الشاعر الشعبي الذي ينشد في الأسواق والحفلات لكيلا يتعرض للتاريخ والغزوات والأبطال. ومع ذلك كان مسؤولو هذا التعليم يقاومون سرا وعلانية، كما سنرى، مستخدمين مختلف الوسائل لتمرير رسالتهم التربوية، ذلك أن التعليم ليس بالقلم والقرطاس فقط، ولكن بالمثل الأعلى والكلمات المعبرة والتوجيه القويم والنصائح الخالصة. وإذا كان الفرنسيون قادرين على مراقبة التعليم العربي الإسلامي في المساجد والروايا والمكاتب، فإنهم لم يكونوا قادرين على مراقبة التربية والتوجيه الصالح اللذين يبثهما المعلمون في تلاميذهم. ومن هؤلاء ستكون البذرة الخيرة للنهضة والحركة الإصلاحية.