إذا كان بعض الكتاب، مثل ديفوكس وأوميرا، قد درسوا حالة البنايات الدينية فإنهم قلما درسوا حالة المدارس القرآنية إلا باعتبارها جزءا من المساجد أو الزوايا أو الأضرحة، بما في ذلك المدارس الثانوية مثل مدرسة الجامع الكبير ومدرسة القشاش. ولكن الفرنسيين عموما عرفوا العلاقة الوطيدة بين الدين والتعليم أو بين المسجد والمدرسة. وإذا كان مس المشاعر الدينية للمسلمين يخيفهم، فإن المس بالتعليم كان لا يخيفهم، ولذلك أهملوه وتركوه يموت بالتدرج. ولكن حركة التاريخ أبت ذلك.
سبق أن عرفنا من تقرير الجنرال بيدو أن عدد المدارس القرآنية في قسنطينة سنة ١٨٣٧ بلغ ٩٥ مدرسة وأنه لم يبق منها بعد عشر سنوات (١٨٤٧) سوى ٣٠ مدرسة. أما الباقي فقد سقط بفؤوس ومطارق الحقد على كل ما هو إسلامي أو عربي في الجزائر. وإذا كانت مدرسة سيدي الكتاني (مدرسة صالح باي) قد انتعشت حين جعلت مقرا للدراسات الشرعية - الفرنسية، منذ ١٨٥١، فإن مدارس أخرى قد حولت عن وجهتها أو هدمت نتيجة مد الطريق الوطني (العربي بن المهيدي اليوم)، ونتيجة هدم دار الباي الحاج أحمد (١). من ذلك مدرسة جامع سيدي الأخضر التي بناها أيضا صالح باي، فقد عطلها الفرنسيون عن غرضها واغتصبوا أوقافها وجعلوها مقرا لكرسي (حلقة) اللغة العربية الذي أحدثوه ليتعلموا هم العربية ويعلموا الجزائريين الفرنسية. وكان السيد شير بونو أول من فتح ورأس هذا الكرسي وقام بهذه المهمة في المدرسة المذكورة، منذ ١٨٥٦. وكذلك حولوا جامع وزاوية (مدرسة) سيدي التلمساني إلى جمعية فرنسية - دينية تسمى (سيدات ليون باستور) سنة ١٨٥٣. وكان مصير مدرسة جامع رحبة الطابية أو الشيخ علي مخلوف (توفي ٥٨٦ هـ) أتعس من ذلك. إن قاعة الصلاة فيها (المصلى) قد حولت إلى إسطبل لخيول فرقة الصبايحية، ثم اندثرت،