للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان مدرسو المدارس الشرعية لا يهمنا أمرهم هنا (انظر فصلا آخر) فإن مدرسي المساجد على النحو المذكور كانوا لا تأثير ولا أثر لهم. فعلمهم كان ضئيلا وكان بعضهم لا يكاد يحسن الكتابة الصحيحة كما لاحظ المعاصرون، وكانوا موظفين طائعين يعملون على إرضاء الفرنسيين بكل الطرق، وهم في أغلبهم البقية التي لم تهاجر أو لم تغضب السلطات الفرنسية. وبعضهم كان مجهولا تماما فلم يكن له اسم ولا رسم بين العلماء السابقين ولا في العائلات العلمية التي كانت عادة تتوارث العلم أبا عن جد.

وفي سنة ١٨٧٨ زار الجزائر الشيخ محمد بيرم الخامس التونسي وتحادث مع بعض علمائها كالشيخين أحمد بوقندورة (المفتي الحنفي) وعلي بن الحفاف (المفتي المالكي) وأخبرنا أن في العاصمة وحدها عشرة مدرسين. ولا شك أنه قد جمع مدرسي المساجد والمدارس الشرعية الرسمية أيضا، لأنه لم يكن في العاصمة سوى أربعة مساجد للخطبة عندئذ. وأخبرنا أن معظم الدروس كانت في الفقه المالكي (مختصر الشيخ خليل) وقليلا فقط في الحديث وغيره. وكأنه أراد أن يقول أن دور المسجد في التعليم قد انتهى في العاصمة، إذ أن العناية بالعلم في رأيه إنما هي في قسنطينة وتلمسان وفي الجنوب. ونوه بالتعليم في الجنوب بالذات لوجود السند عند علمائه - كما يقول ابن خلدون - لأنهم يرحلون إلى طلب العلم إلى فاس وتونس وحتى إلى مصر ليأخذوا عن علمائها، لذلك لم ينقطع (العلم) في هذه الجهات ممن له اطلاع جيد ومشاركة. والقليل منهم فقط يتضلعون في العلوم لعدم وجود العلماء الفحول في أوطانهم، وإنما هم يقرأون صغار الكتب. وإذا مهر واحد ممن رحل في سبيل العلم فإنه لا يرجع إلى وطنه إلا نادرا (١). وهذا نتيجة هيئة التدريس الجديدة التي نصبتها السلطات الفرنسية في المساجد، إنها هيئة جاءت لتبارك العمل الفرنسي وتختم على أوراق الإدارة، وتصدر الفتاوى المناسبة والدروس الفاترة على من بقي من التلاميذ. ومن عادة الجزائريين عدم الثقة فيمن تعينه السلطات الفرنسية ولو كان من أنبغ العلماء، وهو ما لا يكون.


(١) محمد بيرم الخامس (صفوة الاعتبار. ..) ٤، ص ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>