للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الصحة. وقد كان يمكن أن يوجه إلى المدرسين سنة ١٨٣٠ أو ١٨٥٠ عند تصنيف المساجد ورجال الدين والقضاء. وكان يمكن للفرنسيين أن يفيدوا الجزائريين في هذا المجال، كما أفادوا تونس حين أدخلت عدة إصلاحات لتطوير التعليم في جامع الزيتونة، دون أن يتضرر التعليم من أساسه ولا الهدف منه. ولكنهم بالنسبة للجزائر قد أهملوا ذلك سبعين سنة إلى أن انقرضت أجيال وضحلت الحياة العلمية وتدجن العلماء، ثم نفخ الفرنسيون في الصور، ونادوا: حي على التعليم في المساجد. فأين التواصل في التجارب؟ وأين الإطارات المؤهلة لذلك؟ وأين الكتب المتطورة؟ إن البقية الباقية من المدرسين قد قدموا ما عندهم، وكان الكثير منهم ممن تخرجوا من المدارس الشرعية - الفرنسية، أي على يد الفرنسيين أنفسهم. وقليل منهم فقط درسوا في الزوايا أو تخرجوا من المعاهد الإسلامية (الأجنبية) في نظر الفرنسيين. وقد اضطهد الفرنسيون الجيدين منهم أمثال محمد الصالح بن مهنة والمولود الزريبي وعاشور الخنقي، لأنهم قد تخرجوا من غير المدارس الفرنسية (١).

ومهما كان الأمر فإن المفتشين المذكورين انطلقوا في أعمالهم منذ ١٩٠٥. وأصبح المدرسون تحت رقابة شديدة، وكان عليهم أن يطوروا دروسهم حسب رغبة الإدارة وليس حسب اختصاصهم وموهبتهم. وقبل البعض هذا الاضطهاد الفكري على مضض لأسباب مادية، ورفضه آخرون فاختاروا الهجرة مثل حمدان الونيسي. وأرغم المدرسون على تسجيل تلاميذ المدارس العربية - الفرنسية (الابتدائية) والاهتمام بالذين درسوا الفرنسية من قبل، وليس نشر الثقافة العامة أو اليقظة العقلية والمعنوية كما قال جونار. وكان على المدرسين أن يسلكوا منهجا آخر فيسجلون التلاميذ في الدفاتر بطريقة معينة، ويستعملون السبورة في المساجد، ويتبعون طريقة المساءلة والحوار، ويقدمون النحو على الفقه والعملي على النظري. وبذلك حدد هدف جديد لهؤلاء المدرسين وهو المساعدة على تخريج جيل مزدوج اللغة،


(١) سندرس بعضهم بعد حين. انظر عن الزريبي دراستنا المستقلة عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>