جعل بعض الفرنسيين يندبون حظهم بعد ذلك إذ نزع الناس ثقتهم من (علماء فرنسا) ومالوا إلى المرابطين والطرق الصوفية. ذلك أن هؤلاء العلماء في نظر الرأي العام قد أهانوا الدين، وانفصلوا عن المسلمين، وأصبحوا طلاب عيش وخبز. ومن الذين تنبهوا إلى ذلك، ولكن بعد فوات الأوان، ديبون وكوبولاني، ولوشاتلييه وأوغسطين بيرك وديبارمي. أن الشيخ بوقندوة قد اشتهر أيضا بالخطبة التي ألقاها أمام جول كامبون J.Cambon، الحاكم العام الآخر، أثناء تأبين الشيخ أحمد التجاني في الجامع الجديد بالعاصمة، سنة ١٨٩٧. وكانت الخطبة هذه المرة بالعربية وبحضور شيوخ الطرق الصوفية والعلماء والأعيان الفرنسيين والمسلمين. ولعل الحاكم العام نفسه، وهو من الأذكياء الدهاة، هو الذي أمر الشيخ أن يلقى خطبته بلغة دينه لأن فرنسا إنما جعلته في ذلك المنصب ليخاطب باسمها المواطنين لا يخاطبها هي بلغتها. ولا نملك الآن تاريخ وفاة الشيخ بوقندورة الذي ظل سنوات طويلة في الخدمة الرسمية، ولكننا نعرف من بعض المصادر أن أحد أبنائه، وهو محمد، قد خلفه في منصب الفتوى والتدريس أيضا، وهو لا سمعة له أيضا في ميدان العلم والتأليف رغم أنه عاش فترة اليقظة والحث على التعليم، وقد ذكر السيد كريستلو، أن محمد بوقندورة عارض التجنيد الإجباري سنة ١٩١١ (١).
٤ - حميدة العمالي: يختلف حميدة العمالي عن زملائه المعاصرين من عدة وجوه. فقد كان من أعمقهم فقها، وكان قد ترك بعض التآليف وله سند في شيوخ كثيرين، كما كان له تلاميذ اشتهر بعضهم حتى كاد يغطى عليه. فالعمالي من نوادر هذا العهد، رغم وظائفه الرسمية وعيشه فترة الجدب العلمي التي أشرنا إليها. ولعل سر قوته يرجع إلى تواضعه وإلى أخذه
(١) كريستلو، مرجع سابق، ص ٢٧٥. وجدنا في آثار الشيخ حميدة العمالي أن أحد أفراد عائلة بوقندورة، وهو حسن قد طلب سنة ١٢٨٠ (١٨٦٣) الذهاب إلى بلاد الشام (بقصد الهجرة؟) بعد أن كان حزابا في الجامع الكبير. انظر رسائل العمالي في (أبحاث وآراء) ج ٣ ط ٣. وسنشير إلى أحمد بوقندورة في أماكن أخرى من الكتاب.