للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السعيد بن زكري، وكان هذا من خريجي الزوايا وليس من خريجي المدارس. ولا نعلم أن ابن خوجة قد درس في غير العاصمة، لا في الزوايا الداخلية ولا المعاهد الإسلامية في الخارج، ولذلك يمكننا القول إنه كان عصاميا في اكتساب ثقافته.

ويبدو أنه بدأ العمل في جريدة المبشر كمحرر فيها قبل العمل في التدريس بجامع صفر. وقد تعلم من المبشر العمل مع المستشرقين الفرنسيين وعرف عن كثب ماذا كانوا يريدون منه ومن الشعب، وكيف يحرفون الأخبار لتناسب أهواءهم وسياستهم، وعرف اهتماماتهم بالمشرق، زمن حكم السلطان عبد الحميد والثورة الإيرانية، واحتلال مصر، وثورة المهدي السوداني، فكان له ذلك في حد ذاته ثقافة عملية واسعة في فن الصحافة الاستعمارية وأحوال العالم الإسلامي. ولا نستبعد أن تكون بعض مؤلفاته من وحي هذه الظروف. وقد يكون بعضها من دافع الفرنسيين أنفسهم، مثل كتاب الصحة. وكانت الموضوعات التي عالجها حية وذات صلة بوقائع الساعة كالتعليم والمرأة وموقف الإسلام من العلم والتقدم. ولكن الرجل كان يراسل رجال الشرق مثل الشيخ محمد عبده ورشيد رضا ومحمد فريد ويراسلونه، وهذا لا يرضي الفرنسيين، لأنه كان في موقع، كما قلنا، حساسا جدا إذ كانت الجريدة التي يعمل بها هي لسان حال الإدارة الفرنسية للجزائريين - المسلمين عامة. وقد يكون ذلك هو سبب تفريغه لدروس المسجد والتأليف بدل التحرير في الجريدة.

وقد وصف عمر راسم الشيخ ابن خوجة عندئذ بأبي النهضة الجزائرية. ولا شك أن ذلك كان انطلاقا من الأفكار المتسامحة والواعية التي كان ينشرها حول الإسلام والمسلمين واللغة العربية. ولنا أن نقول أيضا إن هذه الأفكار هي التي كان يبثها في دروس المساجد أيضا وفي خطب الجمعة. فهو إذن داعية إصلاح وتقدم اجتماعي بمفهوم ذلك الوقت. وقد وصفه المترجمون بأنه دعا إلى نبذ البدع والخرافات وتحرير العقل، وهذا يتماشى تماما مع دعوة الشيخ محمد عبده الذي يشايعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>