واتسعت ثقافة ابن سماية نتيجة لظروف أخرى يطول بنا الحديث لو ذكرناها بالتفصيل، فقد تبنى مذهب الشيخ محمد عبده في الإصلاح، وكان مواظبا على الاطلاع على مجلة المنار، وحين زار الشيخ عبده الجزائر سنة ١٩٠٣ نزل بدار الشيخ عبد الحليم، وكان هو مرافقه الدائم، وله صور معه، ومراسلات، ومدح ورثاء له بالشعر ونحوه، سنذكرها في فصل الجزائر والمشرق. والأمر الثاني هو حضور ابن سماية مؤتمر المستشرقين الرابع عشر بالجزائر سنة ١٩٠٥، وإلقاؤه بحثا فيه عن وضع الإسلام عندئذ. والثالث هو دوره في معارضة التجنيد الإجباري، وتزعمه للتيار الرافض له على أساس ديني وأخلاقي، وفهم الفرنسيون منه أنه موقف مؤيد للدولة العثمانية وحركة الجامعة الإسلامية. وقد وجد ابن سمايه مساندة قوية في ذلك من عمر راسم وعمر بن قدور وغيرهما من أعيان الصحفيين الوطنيين.
رغم ثقافته المزدوجة، فإن إنتاجه العلمي غير قوي. فلم يبلغ إنتاجه مبلغ إنتاج ابن أبي شنب ولا ابن الخوجة ولا الحفناوي. له مقالات في الصحف المعاصرة، ومشروع كتاب لم يظهر، فيما نعلم، ويدل شعره ونثره على قدرة كبيرة لو أحسن توظيفها. ولعل مهنة التدريس قد استأثرت به، كما هو حال الكثير من المدرسين الذين تفرغوا لتكوين التلاميذ بدل الكتب. وقد كان متأثرا بروح العصر التقليدية أيضا، وهي البحث عن أسانيد العلم، عن طريق الإجازات. فإلى جانب رحلته إلى تونس لهذا الغرض حيث حصل على الإجازة في كتاب (المواقف) للعضد، هناك رحلته إلى زاوية الهامل حيث لقى الشيخ محمد بن بلقاسم، وبقى عنده أياما وأجازه، وله إجازة أيضا من قاضي تلمسان في وقته: شعيب بن علي. وقد يكون له إجازات أخرى بالمراسلة أو بالاجتماع أثناء رحلته إلى المشرق (١).
(١) لابن سماية جوانب عديدة سنتناولها في موضوعها، مثلا ولعه بالموسيقى سنتناوله في فقرة الموسيقى، ومكتبته في فقرة المكتبات، وتآليفه في مكانها من الفن الذي نعالجه.