والزوايا والبادية والحاضرة، وحصل على علم غزير، وكانت له نفس بعيدة الهمة تواقة إلى المناصب فوجد ما يريده، ولكن على أي طريق؟ ولد محمد العاصمي حوالي ١٨٨٨ بأولاد إبراهيم نواحي بوسعادة. وقد درس في قسنطينة (على من؟) ثم رحل إلى تونس فدخل جامع الزيتونة، ونال الإجازات وليس الشهادات. ومن شيوخه فيه أحمد الأمين بن عزوز، وهو من آل ابن عزوز جهة طولقة ومؤسسي زاوية نفطة الشهيرة. وبعد ذلك رجع العاصمي إلى زاوية الهامل، فدرس على الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي، عمدة هذه الزاوية في وقته، ثم سافر إلى القرويين أيضا، فأخذ بها عن بعض المشايخ، وهكذا امتلأ وطابه بعلوم العصر الإسلامية وعلوم الحياة والسياسة أثناء العقد الأول من هذا القرن، وهو فترة دقيقة من حياة الجزائر وحياة العالم الإسلامي كله.
وكما تنوعت دراساته تنوعت أيضا وظائفه. بدأ مساعدا (كاتبا؟) عند الباشاغا ابن الأحرش في الجلفة من ١٩١٢ إلى ١٩١٩، أي فترة التجنيد الإجباري والحرب الأولى. وكانت المنطقة ما تزال تحت نفوذ المكاتب العربية عندئذ، فالذي يوظف في الحقيقة ليس الباشاغا ولكن السلطات الفرنسية. ثم أصبح الشيخ العاصمي إماما في أحد مساجد العاصمة (جامع بورقيسة (؟)) عام ١٩٢٠. وأخذ بعد ذلك ينشط في الأدب والدين، فنجده في جمعية تسمى (المهذبة)، وهي جمعية أدبية لا تهتم بالسياسة ولكن تهتم بالأدب والمسرح. وشارك مع الشيخ أحمد توفيق المدني في تحرير (تقويم المنصور) فكتب له فصلا، ووصفه الشيخ المدني بأنه كاتب كبير وجوالة. والكلمة التي كتبها العاصمي للتقويم عنوانها (المجتمع الجزائري وعماد نهضته الراهنة). وقد امتدح فيها الشعب الجزائري على تمسكه بالوطنية (التقاليد) ومعارضته لموجة التحضر. ورأى أن الإسلام من أقوى دعائم هذا التمسك الخ. وهو شعب، في نظره، يحب الحرية واللغة العربية، ويكره الجمود كما يكره الطفرة. وهذه خلاصة رأي رجل لا شك أنه استخلصه بعد تجربة.