للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذهبنا إليه من أن الشيخين - ابن زكري وأبي يعلى - إنما يبالغان عن قصد في نقد تعليم الزوايا، لأن الأول تولى الفتوى والتدريس للفرنسيين، والثاني توظف عندهم سنوات طويلة في الجزائر وخارجها قبل أن يلقي عصاه في جامع سيدي رمضان. هذا إلى أن الشيخ أبا يعلى كتب ما كتب زمن الحركة الاصلاحية التي جددت في الأساليب التعليمية وتخلصت من الطريقة السائدة في الزوايا.

أما نقد هانوتو ولوتورنو لتعليم الزوايا ففيه الحق والباطل. إنه حق ما دام يبين جمود الطريقة التي كان يقوم بها المعلم للتلاميذ والاستمرار في تكريس الحفظ دون الفهم والتوضيح، والاقتصار من التعليم على ما يفيد عند الله فقط، وعدم مراعاة قدرة التلميذ العقلية في إعطائه المعلومات. ولكنه نقد باطل لأن القوانين الفرنسية نفسها حاربت التعليم العربي الإسلامي. وجمدته وأبقته هي أيضا في حفظ القرآن دون الفهم. والسلطات الفرنسية نفسها كانت تراقب هذا التعليم بدقة، ولو وجدت شيوخه ينشرون أفكارا لا تريدها أو يفسرون القرآن كما يجب لاعتبرت ذلك سياسة وتعصبا وعودة إلى الماضي. وهو ما كان ممنوعا بتاتا، والأمثلة متوفرة على ذلك. ثم أنه نقد باطل لأن المؤلفين يريدان أن يصلا إلى أن التعليم الإسلامي كله هو أسوأ أنواع التعليم الموجود على الأرض. ومن خلال ذلك الوصول إلى الحكم على تخلف الجزائريين وضرورة استسلامهم لرسالة فرنسا الحضارية. ومع ذلك نذكر ما قدماه (نعني هانوتو ولوتورنو) ليستفيد منه الجيل الحاضر فيأخذ بالحق ويتجنب الباطل من هذا النقد.

إن البرنامج الدراسي في الزوايا محدود جدا، حسب رأيهما، إذا قارناه بمجموع المعارف عند الشعوب المتحضرة. فهو برنامج يفرض جهدا عظيما من أجل فائدة ضئيلة، إذ لا نتيجة تجنى من حشو رؤوس التلاميذ في المعمرات (الزوايا) القرآنية. خذ مثلا تلميذا قضى عشر سنوات في الزاوية، وحفظ القرآن وشروحه، ودقق معلوماته فلم يترك صوتا ولا حرفا إلا تعلمه، ثم اسأله عن أي معنى من المعاني فإنه سيعجز، لأنه لم يوجه إلى ذلك أبدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>