للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاش على تلك الحال - أكثر من عشر سنوات في ظننا - إلى سنة ١٢٦٩ (١٨٦٠). فكر في الطرق الصوفية شأن متعلمي الوقت. فهي الغطاء السياسي وهي المأوى الروحي. كانت الرحمانية والشاذلية والمدنية والتجانية والوزانية (الطيبية) هي الطرق النشطة. فخطرت كلها على خاطره. فكر في الذهاب إلى وزان، ولكنه اكتفى بزيارة ضريح الشيخ الثعالبي بالجزائر والتجول في هذه المدينة (الأوربية) التي كان فيها (غريب الوجه واليد واللسان). وقد نصحه بعضهم بالذهاب إلى الشيخ عدة بن غلام الله بجبل اللوح بأولاد الأكراد، ولعل هذا الناصح كان من إخوان الدرقاوة الذين يمثلهم الشيخ عدة. وقد ترافق مع الشيخ عبد الرحمن العصنوني إلى زاوية الشيخ عدة. وبعد مدة نال منه الإجازة الصوفية والعلمية، لأن الشيخ عدة كان أيضا من علماء الظاهر والباطن. ثم رجع الشيخ الموسوم إلى غريب.

أثناء فترة قلق، كان الشيخ الموسوم يطبق التعاليم الصوفية على نفسه بقسوة. كان يصوم ويتعبد، ويتهجد. وعرف بين الناس بذلك، فكثر المعتقدون فيه البركة والعلم معا. وكان يميل إلى الزهد والتقشف (وذلك شعار الدرقاوة). وفكر في الدخول في الطريقة الخلوتية (الرحمانية)، واستمر قلقه فترة أخرى. ثم قرر أن يكتب إلى الشيخ عدة طالبا منه إجازة مقدم. ودام انتظاره بعض الوقت. ثم وصله التقديم في الدرقاوية - المدنية، وهي فرع للشاذلية. وهكذا بدأ نشاطه الصوفي والتعليمي واستقراره الروحي أيضا. وكان قد أسس في بادئ الأمر زاوية في غريب. ولكنه بعد ١٨٦٥ أسس زاوية أخرى في قصر البخاري. وكانت هذه في البداية فرعا للأولى، ثم أصبحت هي الأصل. وقد بنيت زاوية قصر البخاري على أنقاض زاوية قديمة أو قصر قديم ينسب إلى سيدي البخاري. وهكذا أصبح الشيخ يقضي الصيف في غريب والشتاء في قصر البخاري.

فعل الشيخ الموسوم في زاويته ما فعله أيضا شيوخ التعليم الآخرون.

فكان يدرس ويعطي الورد والإجازات. ولكنه اختلف عن زميله محمد بن

<<  <  ج: ص:  >  >>