للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما حلت الجمعية الخيرية ونفت المعلمين وشردت التلاميذ، وزج بابن حمانة في السجن. فما الذي حدث؟ ليس هناك جواب واضح. إن الكتاب الجزائريين يتهمون الإدارة والكولون بالتواطؤ على قتل المشروع في المهد. ويعزز ذلك أن عباس بن حمانة قد اغتيل أيضا اغتيالا سياسيا، حسب تعبير مالك بن نبي. فقد كان ذات يوم حار جالسا تحت شجرة يقرأ جريدة، فتقدم منه أحد الأشقياء وضربه بفأس على أم رأسه (١). ونعرف من عدة مصادر أن سيرة عباس بن حمانة كانت تثير القلق في الأوساط الفرنسية عندئذ، وهي الأوساط التي تعودت على تطبيق قانون الاندجينا المرعب، فلا يمكن الأهلي، أن يتحداها أو يسألها عما تفعل. ويبدو أن حمانة قد أخذ يتحدى الإدارة بالظهور كزعيم ليس في تبسة فحسب بل على المستوى الوطني. ورغم الغموض الذي ما يزال يكتنف حياته ومواقفه فإنه يمكننا تقديم هذه الصورة عنه بعد أن رجعنا إلى عدة مصادر (٢).

لم يظهر ابن حمانة على المسرح السياسي قبل فرض التجنيد. ويتحدث بعضهم أنه كان عالما بالأحوال السياسية وداهية وأنه كان مزدوج اللغة. وتظهره الصورة التي نشرها له دبوز بلباسه الوطني المؤلف من العمامة والبرنس. وربما يكون قد تخرج من إحدى المدارس الرسمية (قسنطينة؟). والواقع أن تبسة في عهده كانت في مفترق الطرق ثقافيا وسياسيا. فهي قد تأثرت بما حدث في تونس والجزائر وطرابلس منذ ١٨٧٠. فقد دخلها الأمير محميي الدين بن الأمير عبد القادر في هذه السنة وثور أهلها وجعلها قاعدة لنشاطه بعض الوقت، ثم تأثرت باحتلال تونس سنة ١٨٨١ وبأحداث طرابلس سنة ١٩١١ حين تحارب العثمانيون والطليان وشارك في الدفاع عن


(١) كان ذلك يوم ١٦ يوليو، ١٩١٤. انظر دبوز (النهضة) ١/ ٢٦٩. وكذلك دبوز (أعلام) ٣/ ١٤٦.
(٢) لا يمكن لقضية ابن حمانة أن تظهر على حقيقتها إلا بالرجوع إلى الوثائق الفرنسية وجرائد الوقت، وروايات الأهالي، ومذكرات المعاصرين أمثال مالك بن نبي وابن الساعي والخالدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>