ليبيا أعداد من المتطوعة الجزائريين، وقد وجدنا اسم ابن حمانة ضمن النشطين في تجنيد المتطوعة، وله مراسلات مع الزعيم سليمان الباروني. وربما كان له أيضا اتصالات مع القيادات التونسية أوائل هذا القرن أمثال عبد العزيز الثعالبي ومحمد الخضر حسين والأخوين باش حانبة. وكانت الجرائد التونسية تصل إلى تبسة بسهولة. وهكذا فإن عباس بن حمانة يعتبر نتاجا لهذه التطورات.
يذكر مالك بن نبي الذي عاش طفولته في تبسة والذي كان عمره حوالي تسع سنوات عند اغتيال ابن حمانة: إن تبسة قد شهدت حرائق مهولة في الغابات سنة ١٩١٢ فدمرتها. وكانت الغابات تحت حماية الفرنسيين، وكانوا يعاقبون على الحرائق بتطبيق قانون الاندجينا الذي يحكم بالمسؤولية الجماعية. وقد ساءت الحالة الاقتصادية للعائلات الكبيرة في المنطقة وتدهورت حالتها الاجتماعية أيضا. لقد كان الاستعمار في ذروته عندئذ. ويحدثنا ابن نبي على أن ابن حمانة كان مستقلا سياسيا وأن خصمه المدعوم من الإدارة هو السيد ابن علاوة، ولكن الإدارة لا تفهم الاستقلال إلا أنه معارضة لها. وقد شارك ابن حمانة في الوفد الذي توجه إلى فرنسا لتقديم مطالب تتعلق بفرض التجنيد. وهنا تختلف الروايات. فهل كان ابن حمانة مع أو ضد التجنيد الإجباري؟ يقول آجرون أن ابن حمانة كان مع فرض التجنيد بل كان متحمسا له، وأنه قاد حملة عنيفة لصالحه إلى جانب المهندس الفرنسي شارل ميشيل، ومن رأي آجرون أن ذلك الموقف هو الذي كان السبب في اغتياله سنة ١٩١٤ (١). ولكي تتم الصورة نذكر أن الكولون كانوا لا يوافقون على فرض التجنيد خشية أن يؤدي إلى توعية الجزائريين من جهة وأن يؤدي إلى حرمانهم (الكولون) من اليد العاملة في الحقول وغيرها من جهة
(١) آجرون (ميلانج شارل اندري جوليان)، ص ٢٤٣. أما دبوز فيقول أن ابن حمانة قد عارض التجنيد وطالب بإلغائه (نهضة) ٢/ ٢٦٣. ولكن المسألة فيها نظر، لأن معارضته حينئذ تتماشى مع موقف الكولون. وعن الوفد الذي سافر إلى باريس سنة ١٩١٢ انظر كتابنا (الحركة الوطنية) ٢.