ويبدو أن ابن حمانة كان له أصدقاء أيضا في الأوساط الفرنسية. ونحن نستشف ذلك من حادثتين: الأولى أنه وجد دعما من بعض النواب عندما عرضت مسألة غلق المدرسة وحل الجمعية على البرلمان الفرنسي. فقد احتج لدى الحاكم العام ثم رفع المسألة إلى البرلمان، فوجد تعاطفا من بعضهم. ولكنه قبل أن يربح القضية وقع اغتياله. والحادثة الثانية نجدها في تعليق إحدى الجمعيات الفرنسية (جمعية ماسونية؟) التي ادعت أنها دافعت عن عباس بن حمانة واستطاعت إخراجه من السجن. ونحن نفهم من هذا السياق أن ابن حمانة قد زج به في السجن، ربما بعد غلق المدرسة، وربما للنزاع السياسي بينه وبين ابن علاوة. فهذه الجمعية التي تسمى (جمعية حقوق الإنسان) زعمت أنها تدخلت في قضيته لأن حاكم تبسة قد اتهمه (ظلما وجورا ورماه في السجن) فعملت لصالحه إلى أن استطاعت أن تظهر ظلم الحاكم وبهتانه وبراءة عباس وتخليصه من السجن (١).
وهكذا فقد كانت تجربة عباس بن حمانة رائدة فعلا، ولكنها رمزية فقط. لأنها في الواقع كانت تجربة قصيرة. غير أنها أوحت لغيره بالتعلم والاستفادة منها بطريقة أكثر نجاحا. ولعل الشيخ العربي التبسي، الذي درس في زاوية نفطة ثم في جامع الزيتونة، كان متأثرا بذلك النموذج حين أنشأ مدرسة البنين والبنات في تبسة بعد رجوعه من مصر.
ولكن قبل ذلك علينا أن ندرس تجارب أخرى في المدرسة الحرة العصرية. وهذا الشيخ عبد الحميد بن باديس، بدأ حركة التعليم الحر أثناء الحرب العالمية - منذ ١٩١٣ - . بدأ بالمسجد الحر، وانتهى بالمدرسة،
(١) انظر مجلة (الشهاب) عدد يونيو ١٩٣٠، ص ٣١٣. ولا نذكر المناسبة التي ورد فيها هذا الخبر الذي صادف مرور مائة سنة على الاحتلال. وقد تأسست جمعية حقوق الإنسان في فرنسا سنة ١٨٩٨ على أثر حادثة الضابط دريفس DREYFUS الفرنسي اليهودي في الجيش. ويبدو أنها كانت تحارب معاداة السامية التي ظهرت في الجزائر في ذلك التاريخ (١٨٩٨) وما بعده على يد رئيس بلدية الجزائر عندئذ، ماكس ريجس M.REGIS، وقد تكون جمعية ذات اتجاه ماسوني/ صهيوني.