مدرسة التربية والتعليم. وكانت هذه المدرسة في الحقيقة نموذجا احتذاه تلاميذه في الجهات الأخرى من الوطن، كما كانت نموذجا للمدرسة الحديثة عند جمعية العلماء بعد ميلادها سنة ١٩٣١. ومن الذين فعلوا ذلك، الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي أنشأ بتبرعات السكان، مدرسة دار الحديث بتلمسان سنة ١٩٣٧. ويدخل في هذه النماذج للمدرسة الجديدة معهد الحياة بالقرارة الذي تأسس سنة ١٩٢٥ بأموال السكان أيضا. وكل هذه المدارس كانت من أجل التعليم العربي والإسلامي بطريقة عصرية مستفيدة من تجارب الشرق في المحتوى والفكر وتجارب الفرنسيين في المنهج والبناء والإدارة. وكانت دار الحديث قد أحيت أيضا الطراز العربي الإسلامي في الشكل الهندسي، وللإنصاف نقول أن هذا الشكل قد شجع عليه الحاكم العام جونار قبل ذلك بثلاثة عقود، وتمثل في المدرسة الثعالبية ومدرستي قسنطينة وتلمسان الرسميتين.
ولم يكن هدفنا دراسة هذا الموضوع بطريقة الحوليات، ولكن إعطاء الرواد حقهم واجب هنا. ذلك أن إنشاء المدرسة الحرة كان يتطلب الحافز الفكري والوطني، كما يتطلب المال والمعلم والمكان والبرنامج. والمال لا يمكن أن يوفره فرد أو هيئة صغيرة، كما دلت التجارب الكثيرة. ومع ذلك غامر بعضهم بإنشاء المدرسة الحرة فاعتبر (بطلا)، ولكن المحاولة كانت فردية وقصيرة الحياة.
على إثر الحرب العالمية الأولى ظهرت في مدينة الجزائر عدة محاولات لإنشاء المدرسة القرآنية العصرية - كما كانت تسمى - ويعتبر الشيخ مصطفى حافظ أول من فعل ذلك، حسب علمنا، بعد تجربة ابن حمانة. هذا (الشاب)(١) الذي تخرج من مصر ورجع إلى وطنه بفكرة إصلاحية، وهي تطوير المدارس القرآنية بعد أن اعتراها الهرم في أسلوبها القديم. وكان حافظ فيما يبدو متأثرا بما رأى في مصر من إنشاء المدرسة العربية - الإسلامية، على
(١) سماه كذلك، محمد العابد الجلالي في (تقويم الأخلاق)، سنة ١٩٢٧، ص ١٧٢.