جمعية العلماء وإنشاء لجنة التعليم فيها أصبحت المطالب من الجمعيات المحلية تأتي إلى إدارة جمعية العلماء التي كانت تتولى اختيار المعلمين وتوجههم إلى الجهات الطالبة، ليدرسوا حسب البرنامج الذي أعدته جمعية العلماء نفسها، وهو برنامج وطني في صميمه، يقوم على هذا الشعار: الإسلام ديني، والجزائر وطني، والعربية لغتي. وبذلك تصبح جمعية العلماء هي الضامنة في المعلم وفي المستوى، أما التكاليف المادية فتتولاها الجمعية أو الشعبة المحلية المستقبلة.
والتعليم عند العلماء يقوم على مبدإ (الإحياء): إحياء الدين وإحياء اللغة وإحياء الوطنية. وهم كانوا يعتقدون أن مائة سنة من الاستعمار الفرنسي قد غيبت تلك المقومات الأساسية للهوية. واستعملوا عبارات أخرى مثل الطمس والمسخ كوسائل لجأت إليها الإدارة الفرنسية للقضاء على تلك المقومات. ولذلك كانت رسالتهم تتلخص في عملية الإحياء، وليس من غرضنا هنا دراسة فلسفة العلماء ومبادئهم الإصلاحية - وقد درسنا ذلك في غير هذا الكتاب - وإنما هدفنا الآن دراسة دورهم في التعليم العربي الحر المغطى بشعار الإحياء الإسلامي والوطني.
يذهب علماء الاجتماع الفرنسيين، أمثال أوغسطين بيرك A.Berque، إلى أن التعليم الذي نشره العلماء كان يقوم على ربط الجزائر بالمشرق حضاريا وسياسيا. وقد استعمل العلماء لذلك سلاح الهجوم اللغوي والهجوم العقدي ضد فرنسا. وتحول التاريخ عندهم إلى تمجيد للشرق ومعاداة للغرب. ونشروا بين أطفال المدارس فكرة الخروج عن التقاليد البالية والاقليمية الضيقة، والانتماء إلى الإسلام العالمي. وكان على تعليم الزوايا أن ينافس تعليم المدارس الحرة إما بالازدياد في (التعصب) وإما بالاندماج في نفس برنامج العلماء بكل صراحة. وهكذا تبينت فرنسا أن كلا التعليمين خطر عليها. ومرة أخرى عبر بيرك عن كون التعليم الذي نشره العلماء كان مشرقيا بالمكشوف - بصراحة -. واستشهد على ذلك بالتعليم الذي نشرته مدرسة دار الحديث في تلمسان ومدرسة الفلاح بوهران ومدرسة التربية