هذا من الناحية النظرية، أما عمليا فالمعروف أن زعماء العلماء كانوا في أغلبهم من خريجي المعاهد الإسلامية في تونس والمغرب والمشرق. وكانوا متمردين على الحكم الفرنسي لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية. فالتوظيف كان محتكرا من قبل خريجي المدارس الفرنسية، والجزائر كانت تفتقر إلى معهد عال للثقافة العربية والإسلامية. والإدارة كانت هي المستولية على الأوقاف والشؤون الإسلامية وتعيين الأيمة والمدرسين، بينما المرابطون ورجال التصوف قد وضعتهم الإدارة في خدمتها وسيطرت بهم على العامة. فكان ظهور زعماء العلماء قد خضخض هذا الوضع وأبان عن الاختلال الخطير في العلاقات. ورغم أن تعليم العلماء كان بعيدا عن اللغة الفرنسية فإنهم تسامحوا مع من تعلم هذه اللغة بل وجهوا أبناءهم إلى تعلمها في المدارس الفرنسية. وكان هذا من تناقضات حركة التعليم عند العلماء. وبتقادم العهد استطاعوا أن يجلبوا إلى صفوفهم أنصارا من المتعلمين في المدارس الفرنسية اقتناعا من هؤلاء الأنصار بالحداثة التي دعا إليها العلماء والتجديد الإسلامي، وربما كان في ذلك نوع من (الاختراق) أيضا، وقد حدث مثله في صفوف جبهة التحرير أثناء الثورة ثم الحركة الاسلامية المعاصرة.
وقد جمع العلماء بين التدريس التقليدي في المساجد، باسم دروس الوعظ والإرشاد، وبين التدريس في المدارس الحرة الحديثة. فهم في الواقع كانوا يمثلون مرحلة العبور في التعليم الحديث. وكانت دروس المساجد موجهة في أغلبها إلى العامة ولكن بمحتوى وأسلوب يختلف عن محتوى وأسلوب مدرسي المساجد الرسميين. فالعلماء كانوا يتناولون موضوعات معاصرة ويوظفون لها الشواهد من القرآن والسنة والتاريخ، وبأسلوب حي يهدف إلى التوعية والنهضة. أما التعليم في المدارس الحرة، وهو المقصود
(١) انظر مقالته الهامة (أسرى القداسة) في (مجلة البحر الأبيض) المجلد ١٠، ١٩٥١.