للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجاز سنة ١٩٣٥، فقد كان متطوعا بدروسه وكاد لا يجد المكان الذي يلتقي فيه بتلاميذه، وكان رغم علمه، وهو خريج جامع الزيتونة بشهادة التحصيل (التطويع)، مطاردا من الإدارة الفرنسية ومن بعض أهل الزوايا الذين يرفضون التغيير.

كان الفرنسيون يرقبون هذا التحول في المجتمع الجزائري: من الرفض للتعليم الفرنسي إلى الإقبال عليه، ومن التمسك بالتعليم العربي العتيق إلى المدرسة العصرية الحرة. ومن التردد واللامبالاة إلى الإقبال والعزم والاهتمام بالنهضة والحياة والمستقبل. كان بعضهم لا يرى أكثر من موقع رجليه، ولكن بعضهم كانوا دقيقين حذرين، لا يخطبون ولا يزمجرون، فهم يضعون أيديهم على المكامن ويفتحون أعين قومهم على مواضع الداء. ومن هؤلاء بدون منازع جوزيف ديبارمي الذي كان في هدوئه وملاحظاته من موقعه في متيحة وصلته بالمدرسة والتعليم يكتشف عمق التجربة الجزائرية وتحولاتها منذ أوائل القرن. وتشهد كتاباته كلها على ذلك. ومنها مقالته التي سماها (رد الفعل اللغوي) (١). كيف وقع هذا التحول من (المسيدات) إلى المدارس الحرة العصرية؟ أليس ديبارمي هو الذي علمه قومه (وهو تلميذ المستشرق رينيه باصيه) أن الجزائريين لا يريدون التعليم وليس لهم قابلية فيه ولا الإقبال عليه؟ يقول ديبارمي ما خلاصته: لقد تفطن المسلمون (الجزائريون) إلى أن الدولة الفرنسية لم تستجب لدعوتهم في التعليم الحر (نظرا لقيود قانون ١٨ أكتوبر ١٨٩٢) فتنادوا للتخلص من مكاتبهم (مدارسهم القرآنية) التعسة حسب رأيه، ومسيداتهم القديمة وزواياهم البالية، ودعوا إلى تعليم يقوم على التبرع بالمال وتنصيب (طالب) في كل دوار يدفع له سكانه أجرة تعليم القرآن، كما كان الحال تقريبا في قديم الزمان.

والكثير من هذه المدارس الحرة كانت مدعومة من الجمعيات الخيرية


(١) نشر هذا البحث الطويل والعميق - رغم ما فيه من نقول واراء - في مجلة S.G.A.A.N (الجمعية الجغرافية للجزائر وشمال افريقية)، سنة ١٩٣١ (بعد مائة سنة على
الاحتلال).

<<  <  ج: ص:  >  >>